يبدو الهجوم المرتقب منذ وقت طويل من قبل بشار الأسد وحليفتيه، روسيا وإيران، ضد آخر المعاقل الكبرى التي تسيطر عليها المعارضة في محافظة إدلب شمال سوريا، وشيك الحدوث. والمنتظر ليس النتيجة، فقوات الأسد ستنتصر في المعركة العسكرية دون أدنى شك في ذلك، وإنما كيف ستنتصر، وما تداعيات انتصارها، وكم سيكون الثمن الباهظ للم الشمل السوري مرة أخرى؟
هناك أكثر من ثلاثة ملايين مدني وعشرات الآلاف من قوات المعارضة يعيشون في إدلب، وجهود الوساطة الرامية إلى التوصل إلى هدنة تسمح بإخراج السكان بطريقة سلمية لم تنجح حتى الآن.
وتصر سوريا وروسيا بصورة خاصة على ضمان نزع سلاح مقاتلي المعارضة والإمساك بهم وقتلهم. والمشكلة هي أن سوريا ربما لا تمتلك ما يكفي من قواتها المتأهبة للمعركة لكي تشن هجوماً برّياً بمفردها ضد قوات المعارضة القوية والمتحصنة بصورة جيدة في المناطق العمرانية في المحافظة، ما لم تستعن بدعم بري من حليفتيها. وتشن روسيا بالفعل حملة جوية كبيرة ضد قوات المعارضة، لكن ذلك وحده لن يكفي لتحقيق الانتصار. وربما هناك إغراءات كي تستخدم سوريا الأسلحة الكيميائية ضد المعارضة، لكن الأسد وسوريا تم تحذيرهما من أن أية هجمات جديدة بأسلحة كيميائية لن تفضي فحسب إلى مزيد من العقوبات الأميركية والأوروبية، بل يمكن أن تؤدي أيضاً إلى مستويات مختلفة من التدخل العسكري من قبل الحلفاء الغربيين. وحتى ألمانيا أكدت أنها ستنظر في استخدام القوة العسكرية إذا ما تم استخدام أسلحة كيماوية.
وفي أسوأ الحالات، يمكن أن تسبب أية معركة دامية في إدلب سقوط خسائر في الأرواح بالآلاف، خصوصاً بين المدنيين، ويمكن أن تصبح أكثر المواجهات تكلفة في الحرب المستمرة منذ سبعة أعوام.
وحتى إذا أمكن نزع فتيل الأزمة وإنقاذ السكان من الهجوم، وكان ذلك انتصاراً لسوريا وروسيا وإيران، فإنه سيشي ببدء مرحلة إعادة البناء المكلفة لإنقاذ البيئة العامة في سوريا، أملاً في أن يشجع ذلك ملايين اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم. والتكلفة المالية لمثل هذه الجهود ستكون مليارات الدولارات، وليس ثمة توقعات بأن يتمكن نظام الأسد أو روسيا وإيران من تقديم تلك المبالغ. وما لم يكن المجتمع الدولي، بما في ذلك البنك الدولي والمؤسسات المالية الأخرى، متأهبة لتوفير أموال ومساعدات كافية، فإن إعادة الإعمار ستكون بطيئة بصورة مؤلمة، وستسبب في حد ذاتها مشكلات سياسية خطيرة للنظام.
وثمة مشكلات ثلاث من المزمع ظهورها بعد انتهاء الحرب؛ تتعلق بمستقبل الأسد نفسه، ودرجة التزام روسيا بإعادة إعمار سوريا، وما يتعين فعله بشأن الوجود الإيراني العسكري والمليشياوي في سوريا.
ومن المستبعد تماماً أن تشارك إدارة ترامب والكونجرس الأميركي ومعظم الدول الأوروبية في أية جهود لإعادة الإعمار في سوريا طالما أن الأسد لا يزال زعيماً مستبداً بالحكم هناك. وليس ثمة أي دليل على أن الأسد سيتخلى طوعاً عن منصبه، ومن المستبعد كذلك أن تكون لدى أي من روسيا أو إيران رغبة في تركه يرحل في هذه المرحلة. وستكون روسيا على وجه الخصوص في موقف صعب كونها أسهمت في تحقيق انتصار الأسد على المعارضة، وما استلزمه ذلك الانتصار من تدمير للبلاد، ومن ثم سيكون عليها واجب الالتزام بالمساعدة في إعادة بناء ما دمرته. وهذا الالتزام صورة مختلفة من تصريح وزير الخارجية الأميركي الأسبق «كولن باول» بشأن قاعدة «بوتري بارن» فيما يتعلق بالغزو الأميركي للعراق في عام 2003: «من كسر شيئاً فعليه إصلاحه».
أما ما يتعين فعله بشأن أي تواجد مستقبلي لإيران في سوريا ولبنان، فقد أصبح هذا الموضوع معضلة استراتيجية كبيرة للمنطقة، وللولايات المتحدة أيضاً. وهي مشكلة صعبة على وجه الخصوص في ضوء الدعم الكبير الذي تقدمه طهران لمليشيا «حزب الله» اللبناني وباقي المليشيات الأخرى في سوريا والعراق. وقد وضعت إسرائيل خطوطاً حمراء بشأن المسافة التي يمكن أن تسمح بها لتواجد عسكري إيراني في جنوب سوريا، ورفضت وجود أي قوات إيرانية بالقرب من القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان. وتتوقع إسرائيل من روسيا ضبط إيران، لكن يتشكك البعض في أن ذلك سيكون ممكناً في غياب أي تقارب بين أميركا وروسيا، وهو تطور يبدو مستبعداً في أي وقت قريب.
وباختصار، لا تزال التوقعات على المدى القصير والطويل بالنسبة لسوريا ودول جوارها قاتمة وخطيرة.