تحاورت يوماً مع أحد الأصدقاء من جنسية أوروبية حول العديد من الموضوعات الجارية على الساحة العربية والدولية وكان من أبرز ما أثار دهشته ما يحدث في سوريا منذ سنوات من حرب بين جماعات مسلحة، خرج بعضها من تحت عباءة منظمات إرهابية واجتمع بعضها الآخر تحت ما يسمى بالمعارضة، وبين رأس نظام حكم يأبى التخلي عن كرسيه سائراً على نهج تدمير بلاده تحت شعار «محاربة الإرهاب» ولا يأبه مطلقا بالإبقاء على سوريا كما عهدناها، وإنما جل غايته البقاء «رئيساً»، حتى ولو على محيط قصره الرئاسي.
وقد أثار حديث الصديق العديد من التساؤلات بيننا منها هل ذهبت سوريا التي نعرفها في مهب الريح واندثرت حتى أصبحنا لا نعلم من يحكم من وعلى أي أرض وبأي سلطة؟ وهل سوريا سائرة على طريق التقسيم الطائفي مثلما حدث في العراق؟ وأين «الجامعة العربية» وماذا فعلت أو تفعل لوقف ما يحدث في سوريا وإنقاذ شعبها من ويلات الحرب والتهجير والتفرقة والتقسيم؟ ولماذا تترك «الجامعة العربية» سوريا فريسة لإيران وتركيا وروسيا وإسرائيل لفرض واقع مآله ضياع سوريا كما فعلت سابقا مع فلسطين عندما تركتها للجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حتى شهدنا قرار الرئيس الأميركي نقل سفارة واشنطن من تل أبيب للقدس ووقوف الجامعة مشلولة الأيدي إزاء ذلك؟
وكان من أبرز نقاط نقاشي مع ذلك الصديق هو ما تقوم به إيران وروسيا وتركيا من عقد اجتماعات قمة بينها لرسم مستقبل سوريا والتنسيق على أماكن تواجد قواتهم المسلحة، حيث تم عقد ثلاث قمم في سوتشي وأنقرة وأخيراً في طهران واتفق زعماء الدول الثلاث على السعي لحل مشترك في محافظة «إدلب» الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة المعارضة، وذلك استمراراً لنهج الدول الثلاث في إقرار ما يحدث في سوريا في ظل غياب الشعب السوري والجامعة العربية. وأبرز ما أثار السخرية هو ما قاله الرئيس الروسي بوتين من أن الحكومة السورية يجب أن تستعيد السيطرة على كل أراضيها في ظل غياب تلك الحكومة أصلا عن القمة والتي تأكد غيابها عن أي اتفاق مستقبلي على حسب قول بوتين إنه يجب أن تحسن روسيا وإيران وتركيا التنسيق في سوريا. أضف إلى ذلك إعلان الرئيس الإيراني «روحاني» بأن حل الوضع في إدلب «لا يجب أن يكون مؤلما للمدنيين»، ولا أن «يؤدي إلى سياسة الأرض المحروقة‏»، وكأن ?إيران ?بريئة ?من ?مشاركتها ?في ?تدمير ?سوريا ?وإحراقها. ?ولم ?يترك «?روحاني» ?فرصة ?القمة ?دون ?الهجوم ?على ?الولايات ?المتحدة ?بقوله ?إن «?الوجود ?غير ?القانوني ?لأميركا ?وتدخلها ?في ?سوريا، ?الذي ?أدى ?لاستمرار ?انعدام ?الأمن ?في ?هذا ?البلد، ?يجب ?أن ?ينتهي ?بسرعة»، ?وهو ?بذلك ?يشرع ?لبلاده ?وتركيا ?وروسيا ?سلطة ?الحق ?في ?احتلال ?سوريا ?وينفي ?ذلك ?عن ?غيرهم.
والملاحظ أن التنسيق بين الدول الثلاث يحدث تحت أعين إسرائيل التي أعلنت منذ فترة «شروطها الخمسة»، التي تحدد إطار الوجود العسكري الروسي والإيراني في سوريا، وبالتالي أضحت تل أبيب تقرر وتحسم الجدل الذي يدور بين موسكو وطهران حول تدخلاتهما في سوريا وهي مطمئنة لعدم وجود تهديد من جانب أنقرة لحدودها. وبالتالي أصبحت سوريا السُنية التي تحكمها الطائفة العلوية أرضاً خاضعة للاحتلال الإيراني الفارسي الشيعي والتركي العلماني بقيادة أنصار جماعة «الإخوان» الإرهابية وروسيا الشيوعية سابقاً والمحصلة شعب فقد هويته وأرضه ووطنه. هنا توقفت عن النقاش مع صديقي في ظل غياب أي إجابة عن تساؤلاته آملا أن يحظى الشعب السوري قريباً بالأمن والاستقرار، وألا نرى بالفعل سوريا دولة من الماضي في كتب التاريخ العربي.