لعل هذا المصطلح الغريب والمركب، هو الذي يشرح حال الكثير من حديث شبابنا وشاباتنا من الجيل الجديد الذين تغلب عليهم الرطانة، والتفكير باللغة الإنجليزية، قبل العربية، وإن غالط نفسه وبدأ التحدث بالعربية فكلمة عربية وجملة إنجليزية، بحيث يرهق الشخص الماثل أمامه إذا لم يكن من صفه ومن جيله.
أمثال هؤلاء أعتقد أن حديث أحدهم مع جدته وجده تشوبه أشياء كثيرة من التعقيد، وسوء الفهم، والجسور المحطمة، وشخصياً لا أملك نفسي من الضحك مع عدم الفهم طبعاً حين يتحدث أحدهم بـ«العربيزي»، وأتذكر حالنا أيام الجاهلية الأولى، حين كنا نبدأ بالحديث، ولكي نوهم المستمعين بأننا مثقفون، منحدرون من برجنا العالي، ونريد أن نمارس شيئاً من الفوقية عليهم، نأتي بمثل ذلك المنكر، ونتشدق بمصطلحات إنجليزية، وكلمات من الوزن الثقيل التي في آخرها نغمة «شنّ» خاصة، كما أتذكر أيام الأفلام العربية لمنتجي «المقاولات»، حين يريد أن يقول المخرج عن البطل إنه من طبقة اجتماعية عالية أو من المجتمع المخملي، يجعل البطل يقول جملته المخبقة، مثل: «بيرهابس يس، بيرهابس نو، آي دونت نو إكزاكتِلّي»!
جماعة «العربيزي» سيشكلون ضغطاً على اللغة العربية، وسيساهمون في إضعافها بالمجتمع في ظل هذا التنوع بالثقافات التي تقطن مجتمع الإمارات، والذين اتفقوا على صيغة غير مكتوبة أن تكون الإنجليزية هي اللغة أو الوعاء الذي يمكن أن يضمهم، ويجعل التواصل بينهم سهلاً وانسيابياً، غير أن المتضرر الأكبر هي اللهجة المحلية، فعلى الأقل العربية لديها حصون وقلاع يصعب إزالة ثوابتها وأركانها، في حين اللهجة المحلية هي الضلع اللين، رغم أنها هوية مجتمعنا وخصوصيته وتميزه، فإن لم تمثل لنا ذاك الهاجس اليومي الذي علينا حمايته، والقاموس اليومي في التواصل، وركيزة أساسية في البيت، فستذوب تلك اللهجة الرطبة العذبة حد التلاشي التدريجي، خاصة بعد غياب جيل كان حريصاً عليها، وتمثل له معنى وجوده، ولحظات وجده وفرحه وحزنه وغضبه.
لهجتنا المحلية أو الدارجة لا شك أنها تغيرت خلال الثلاثين سنة المنصرمة، ولولا ولادة شعراء يتعاملون معها، ولولا وجود «الأولين الطيبين» الذين ساهموا في حفظها للأجيال المتعاقبة، لغدت دارجتنا أشبه بـ«العربيزي» أيضاً، فلكم أن تتصوروا كيف هي الأم التي هي أساس «لغة الأم» وأساس المنزل، إذا كانت من جيل «العربيزي»، والتفكير بالإنجليزي! كيف سيكون حال البذر الجديد؟ ثمة أمور لابد من أن نعلق لها الجرس، ولو كان مبكراً أو كان متأخراً!