اليوم ورغم التطور المادي، والتكنولوجي، إلا أن العقل المتطور لم يزل في مرحلة طفولية بائسة، في علاقته بالآخر، ولم يزل يمارس الحبو على أشواك الأنانية.
كلما توسعت رقعة الآلة الجهنمية، كلما ازداد الضجيج، كلما ازداد ضعف السمع لدى الإنسان، كلما شعر بعدم القدرة على التواصل مع الآخر، الأمر الذي يجعل من العاطفة الإنسانية في حالة انحسار وتصهد، وتبدد وتقدد، وكلما يبست عروق العاطفة، كلما ازداد العقل يباباً وكلما عجفت أشجاره، وكلما تضورت المخلوقات في حياضه، وتوحشت، وتوجست، وطالت مخالبها، وأصبحت مثل أقواس النشاب.
لقد فقد الضمير سلطته منذ أن فكر الإنسان في اعتبار الطبيعة بأنها كائن شرير، ولا بد من قهره، وكبح قدراته على النمو، والارتقاء.
فالضمير الميت، يجعلك تخل في عملك، يجعلك تخون ولا تصون، يجعلك تنفض يديك من كل مسؤولياتك الوطنية، والإنسانية، بل تصبح أنت المعرقل لكل فكرة مفيدة، وإيجابية.
الضمير الميت يدخلك في قبره، فلا تعود تعرف من أين تشرق الشمس، ولا كيف يمارس الناس حياتهم الطبيعية، ما يجعلك تنام العمر كله دون الوعي بأهمية أن تكون شريكاً صادقاً ومخلصاً في عبور القارب ضفتي النهر.
الضمير الميت يعيق خطواتك إلى تحقيق ما تتطلبه منك ضرورات المواطنة، ويعرقل طريقك إلى إنجاز ما هو واجب، وما طبيعي في النشوء والارتقاء، وتحقيق الأمنيات واسعة الحدقات.
خيانة الضمير، تجعلك تفكر في الخروج من الأزمات بأقل الخسائر، وأكبر المكاسب، ولو على حساب الآخر، لأنك في الخيانة تقوم بدور قاطع الأخشاب في الغابة، لا يفرق ما بين الأشجار الحية والأشجار الميتة، أنه يقطع فقط، ويغرس فأس الكراهية في الجذوع، والأغصان.
أنت في الخيانة تقوم بدور عصابات تقتل الحيوانات للفوز بالثروة، لا هدف لها غير الانتصار على هذه الحيوانات وسلخ جلدها، وانتزاع قرونها.
في الخيانة، تقلب الموازين، فالحلال حرام، والحرام حلال، ولا يعد لغاندي، ولا لروسو، ولا لابن رشد من مكان، لأنه في حضور الخيانة، تتوارى الحقائق، وتختبئ القيم، ويختفي الحلم الزاهي خلف تراكمات اللاوعي، ويصبح العالم تحت هذا الركام، بذرة مسممة بثاني أكسيد الكربون.
في الخيانة، الأشياء تبدو رمادية والألوان يختلط بها دخان عوادم الضمير، والوجوه مثل رسوم كاريكاتيرية فاشلة.
في الخيانة، تتحول الأحلام إلى مخالب وأنياب، والأفكار إلى نيازك متطايرة، تحرق أشرعة المسافرين إلى قارات الصور الخيالية المشوهة.