يقول فولتير: «من يجعلك تؤمن بالسخافات والخرافات، يستطيع أن يجبرك على ارتكاب الفظائع».
فلا نستغرب أبداً عندما نرى كائناً بشرياً يقوم بتفجير نفسه، وسط حشد من الناس الأبرياء في سوق أو مركز تجاري.
لا نستغرب في أن يقدم وحش بشري على طعن امرأة مسنة، لا ذنب لها إلا أنها مرّت في الطريق الذي يكمن فيه هذا الوحش.
الخرافة تجعلك مثل الجهاز المسيّر بالريموت كونترول، تجعلك تمضي في الحياة مثل عربة بلا فرامل، تجعلك الخرافة في اليقين الأعمى، فتقتل لأن المقتول لم يرق إلى مزاجك، أو أنه يخالف فكرتك، أو أنه جلس إلى جوارك من دون أن يحييك بابتسامة تريحك، أو أنه نسي أن يفسح لك مكاناً في الحافلة!
الخرافة كاميرا قديمة، تصور الوجوه، والأشياء على غير طبيعتها، فتبدو هذه شائهة، لا تروق للخرافي.
الخرافة ترسلك إلى العالم مثل طائرة ورقية، توهم الناس بأنها طائرة، ولكنها ليست بطائرة.
الخرافة تبرز في الوجود عندما يختفي المنطق في جلباب قديم، مرقع بالأفكار الشائهة. الخرافة تأتيك عندما تكون معمماً بخرقة الجهل! الخرافة تستولي عليك عندما تكون في قفص الكبت، وحولك ببغاوات تردد ما قاله مدع كذاب، ومعتد أثيم، ومشّاء بزنيم!
الخرافة لا تسكن إلا في بيت مؤثث بكومة من النفايات، وبقايا كائنات نافقة، وصناديق معدنية صدئة، ودواليب خشبية عاثت في أضلاعها الرمة.
الخرافة يسوقها إنسان وضع على رأسه مظلة شمسية حجبت عنه الضوء، وسار في الأزقة الضيقة تحاشياً لرؤية النور، ثم فجأة التقى بك أو بغيرك، وتوقف هنيهة أمامك، ليقول لك: لقد وجدت الحقيقة، فاذهب معي إلى حيث تكمن، وهناك يدخلك في غرفة معتمة لا ترى من خلالها حتى أصابع يديك، ثم يبدأ في تلقينك وأنت المستسلم، تقدم جامداً هامداً مثل نشارة خشب نثرت على أرض وعليك، وبعد حين من التلقين، والتضمين والتخمين، تجد نفسك تسبح في مستنقع من الخرافة، تجد نفسك تعيش وكأنك تحت سطوة التنويم المغناطيسي!
وأنت في هذا الوضع، تصبح أداة طيعة لمن خطفك، ومن سلبك، ومن نكبك، ومن أزّمك، ومن حطّمك، ومن جرح الزجاجة الرقيقة في داخلك، حتى أدماك وشوّهك. وأرداك وسوفك، وأخفاك وخوفك، وواراك وخبأك، وحورك، وأنساك نفسك، ودفنك، وأمات فيك الضمير وجيّرك، وورم فيك الأنا وحطمك، وأزم فيك الفكرة، ودمرك.
أنت الآن في الخرافة، أنت في المجازفة المظلمة، أنت في عمق البئر أنت في آخر السطر، أنت في أرذل الفكر!