بعض الأشخاص مثل السراب، تراه كالماء، وتذهب نحوه، وتظل تلهب عطشاً، ولاتمل إلا إلى سراب. بعض الأشخاص يلهب نظرك للمعانه، وأنت المتلهف البلل، تسعى الارتواء، ولكن ما أن تصل إلى المنطقة التي حددتها بحدسك تجد نفسك في منطقة أشبه بالحلم الكاذب، تجد ما يراه النائم في حلم ليلي أضاء مهجتك، فجأة، ثم اختفى، وصرت أنت في الحلم، مثل ذبابة حائرة في مكان فارغ مما يبل الريق.
بعض الناس كائن هلامي، يستطيع أن يشعل فيك نيران الشوق، لبرهة، وبعد ذلك تكتشف أنك واقع في حبال خدعة بصرية دلك عليها قلبك، ولم يسعفك عقلك النائم في كشف ملابسات ما وقعت في فخه.
بعض الناس مثل سمكة مراوغة، إنها تلعب في صنارة الصيد، وتوهمك أنها في حالة اشتباك حيوي، سوف يؤدي إلى صيد ثمين، وفجأة تجد ما فكرت فيه مجرد لعبة طفولية، أو مسرحية هزلية، تجعلك ترتاب، ولا تكف عن المحاولة، لان قلبك لم يزل في حومة الوغى، جندي يقبض على زناد بندقية فارغة من الذخيرة تكتشف أنك كائن بدائي يتخيل بالطيران، فيمسك بريشة طائر نافق، ويعلقها بين ذراعيه، ويهم بالطيران، فإذا به يقع على الأرض، وتتلقفه حجيرات الأذى.
بعض الناس يمتلك قدرات فائقة،على الصيد في الهواء الطلق، ويستطيع أن يقتنص أضعف الفرص، ليضع العصافير الطائرة، في سلة واحدة، ولا يتعب من الخداع ولا ييأس من المراوغة.
بعض الناس لا يحتاج إلى مسحوق تلوين الوجه، فلديه من فطرة التلون ما يذهل، ويصدم، ويفشل كل النوايا الحسنة، ويبيد الأحلام الزاهية في لحظة هروب إلى الأمام، والاختفاء خلف المحسنات البديعية، واعتبار اللغة مثل معطف صوفي، يخبئ في جيوبه، كل أكاذيب، وخرافات التاريخ البشري، المهم أن يصل، وأن يلون السراب، بلون الماء، وأن يجعل الكلمات، حبات رمل يحثوها في وجه من يحاول ترتيب مشاعره، ولو بحفنة ابتسامة، تعيد جدول الماء، إلى الحقل.
بعض الناس لديه من المفردات، ما تعجز عن بثه، الغيمة، ساعة حبلها بالمطر. بعض الناس لا تنمو أعصابه إلا عندما يغرف من السراب دلاء الماء، ولا تصفو بئره إلا عندما يمزج ما بين الضحالة والنذالة، فيسهب في الغرف والنزف حتى تغرق أحلام المخدوعين في شبر ماء.