في رواية كافكا عن التبدل والتحول إشارة متقدمة لهذا الروائي الرائع. كلنا نتحول ونتبدل، نحن لسنا الأشخاص أنفسهم الذين ولجنا للحياة والمجتمع. ولم نعد أولئك الذين يقتفون أثر كل سائر وناعق أو متفلسف يصبغ الحياة والزمن ويبشر بما هو خلف الوجود، كم حملنا رؤانا وفلسفتنا للحياة وشؤونها ثم أمسينا شيئاً آخر!
كلنا عرف صديقاً، يوماً ما، وأصبح الآن لا يعرفه إلا بالاسم فقط. تغيّرت هيئته وأفكاره، وربما أصبح متناقضاً ومضاداً لذلك الزمن البعيد، إنْ حاورته تجده شخصاً آخر لا يفكر بالطريقة نفسها التي تعرفها. قد تراه درويشاً بثياب رثّة ولحية كثّة وعقلية خربة أو المحارب المضاد لفكرك وأفكاره القديمة، وكأنه سلخ جلده وفكره وعقله وأسكنه قبراً موحلاً يفر منه الجميع.. أو تجد ذلك الدرويش الذي لا تتوافق معه في أي شيء وقد نزع ثوب الدروشة ولبس ثوب الزقرشة، خفيف في فكره وتصرفه وكأنه الآن يفهم الحياة ويدخلها بكل قوة غير مبالٍ بعقله الذي كان راجحاً ولا مهتم بكل موانع القوى الاجتماعية، وكأنه يريد أن يعوض عن ما فاته من جمال ورقة وسلاسة في فهم الحياة.
ومن أشد حالات التحول والتبدل أن تفاجأ بأن صاحبك وصديقك في رحلة الحياة قد أصبح واحداً آخر لا تعرفه ولا يعرفك ولا تستطيع التواصل معه، وهو في ذلك، تماماً مثل الخنفساء في رواية كافكا، كانت تسير على أرجلها وتذهب حيث تشتهي، ولكن عندما سقطت على ظهرها لم يبقَ لديها غير أن تحاول أن تعدل نفسها وتحرك أرجلها في الفراغ، ولكن أنى للخنفساء أن تعدّل وضعها عندما تنقلب على ظهرها.
لا يفصلني عن ذلك الصاحب المتحول غير مقعد واحد، نجلس فترة طويلة حول الطاولة. كل منا يتناول قهوته، عصيره، ثم يمر الوقت في صمت وهدوء، لا شيء غير قراءة المسجات وتقليب الصور والجمل والحكايات السمجة في «واتس اب» أو «تويتر»، ولا حديث غير جمل وأسئلة متقطعة، لم نعد نتفق في الأفكار ورؤية الحياة، ولا أحد يعجب بما يقوله الآخر، حتى الألوان اختلف تفكيرنا في رؤيتها، مرة قلت له هذا لون أخضر فرد دون أن ينظر، أنت تراه أخضر وأنا أراه أزرق، ضحكت وقلت له: ولكنك لم تنظر جيداً، رد بأنه لمحه بطرف عينه، ضحكت كثيراً وقلت: إنه التحول تماماً مثل رواية كافكا ولا فائدة في أن تجادل صخرة أو كما يقول أهلنا البحارة، (كعب قرط)، محال أن تقطعه (الجدوم) بسهولة، أي لا يمكن أن تجادل المتصلب، لقد تحول من جذع شجرة لين إلى عقدة، وبالتأكيد سوف تكسر المنشار.