عندما تكون واعياً، فأنت أشف من ماء النهر، وأرق من جناح الفراشة، وأزهى من الوردة، وأجمل من عين الغزالة، وأكمل من وجه القمر في نصفه الأول، وأوضح من قرص الشمس، في ظهيرة يوم صاف، وأنعم من ورقة اللوز، وأبهى من صباح متألق بسحابة ممطرة، وأندى من خد حسناء يافعة عندما تكون واعياً، فأنت في الوجود نجود، وأنت في الحياة بلا قيود، وأنت في العالم تضاريس معشوشبة بعناقيد التين والزيتون.
عندما تكون واعياً، تبدو أفكارك مثل حبات عقد مرصوصة في خيط من حرير، تكون طموحاتك محصّنة بحزام من شجر النخيل، وتكون أحلامك مثل غايات النحل، في شمعة الهطول الندي، وتكون خطواتك، مثل حث الجياد الفارعات اليافعات النايفات المنيعات الجهبذ، تكون نياطك مشدودة إلى عشق العوالي، وثناياك مخضوبة بدماء أصفى من عيون الماء، وأعذب من الشهد.
عندما تكون واعياً، لا تعرقلك عقبات ولا تعيقك كبوات، ولا تنغصك هفوات، ولا تكدرك زلات، ولا تنكدك عثرات، عندما تكون واعياً، تذهب إلى البحر، وقاربك مجاديفه موجات، تمنحه الولوج في المعنى، ولا ترسيه على صخرات الأسى، عندما تكون واعياً، تكون أنت في الكون نجمة، تجدل ضفائرها بأهداب الشمس، وتمضي في السماء، نعيماً مؤدلجاً بالفرح.
عندما تكون واعياً، تكون أنت مثل سحابة تخيط قماشتها بإبرة الثبات والثقة، عندما تكون واعياً، تكون أنت حلماً يمشي على أديم الأرض، مخفوقاً بأمنيات لا تحلق ولا تقع ترفرف ولا تمتقع، تزف سالفات الدهر ولا تمتنع، وتحض على الهوى، والهوى عشق ونسق وافق وتدفق وترقق، وتطرق إلى المستحيلات الممكنة، وإلى الممكنات المتأصلة في الوجدان والأشجان، وكل ما دار في خلد الإنسان.
عندما تكون واعياً، تمطرك السماء من وعيها عقلاً، وتكون في الوجود عقلاً سماؤه وحدة الوجود، وتكون أرضه جناح نورس لا يحط على جيفة ولا نتانة، عندما تكون واعياً، تكون مثل ورقة بيضاء من غير سوء، تكون كلمات محسناتها البديعية تغريدة الطير.
عندما تكون واعياً، تحفظك ملائكة الكلمات من الزلل، وتحميك نهاية العبارة من الخلل، تكون أنت في صلب الحكاية، أنشودة الوردة البرية، وتكون أغنية الغاف ساعة ما تنيخ الركاب بعد السفر الطويل.