الحياة تبدأ بطموح، تسبقه قناعة بقدرات إنسان على تحقيق ذلك الطموح. عندما تود أن تقدم نصيحة لشخص، لا تظهر أمامه أنك الأفضل منه، ولا تبرز نفسك على أنك صاحب قدرات فائقة، جاء لينقذ الأقل منه في الإمكانيات. التفاضل بين الناس سبب رئيس في انتشار الأخطاء، وهو جوهر تمادي المخطئين في ارتكاب الأخطاء.
من البديهي أن يعتبر الإنسان أنه يعاني الفقر أو المرض، أو أي عيب جسدي، ولكن من المستحيل أن يعترف أي إنسان بالنقص العقلي، لأن العقل يمس الذات، بينما الأشياء الأخرى لها علاقة بالخارج، أي أن يلقي المريض سبب مرضه على العدوى من الخارج، ومن الطبيعي أن يرد الفقير فقره إلى خلل في علاقته بالآخر، وهكذا، ولكن ليس من الممكن أن يرجع الناقص عقلاً هذا النقص إلى أي كائن آخر غير نفسه، وطالما الأمر متعلق بالنفس أو الذات، فإنه من الطبيعي أن يلقى هذا النقص عبارة الرفض والتذمر من أي نقد أو ملاحظة، أو رأي يخالف رأي الإنسان الذي يواجه مأزق النقص العقلي.
ليست النصيحة في هذه الحالة إلا سهماً يغرس في صدر الذات، فيصبح الألم مبرحاً ومؤذياً ولا تطيقه النفس، وعندما يشعر المرء بأن السهم قد طال الذات، يكون قد وصل إلى حد الإحساس بالتلاشي والفناء، الأمر الذي يستدعي منه، تجييش كل قواه، وإعداد العدة للدفاع عن الحياض المنتهكة، والسيادة الممسوسة، والحلم المهدور، والطموح المغدور، والكيان المكسور، إحساس يراود أي إنسان وصل إلى قناعة أنه يملك قدرات هائلة يفتقدها غيره، ولا يحق لأي كائن كان أن يقترب من منازله، وإن فعل أحد ذلك سواء لحسن نية أم لسوئها، فإنها تصب في خانة الاعتداء على الممتلكات الخاصة وتجاوز حدود المنطق.
النصيحة مع من اقتنع باستثنائيته، هي بمثابة ذم وهدم لبنيان الذات المتماسك والقوي. هنا تقع المهزلة في العلاقة بين الناس، فحتى تستطيع أن تحقق الهدف من النصيحة، عليك أن تفهم شخصية من تريد نصحه، وإلا وقعت في المحظور، ومزّقت قماشة الهدف المنشود، وكسرت فنجان النصيحة، وتناثرت الزجاجات لتجرح أصابعك قبل أن تدمي الآخر.