الشك وضعك الخاطئ، ولكن اليقين هو كائنك الأعمى الذي يقودك إلى الشك. عندما تثق بيقينك، فإنك تشك فيمن يجلس بجوارك، وتخاف أن يسلبك حقك فيما أنت على يقين به. اليقين يجعلك تشك أكثر، والشك يحتلك، إلى درجة أنك ترتعد من اختلال يقينك.
من بلا يقين، فلن تشك. من خارج الثوابت التي تخترعها لنفسك، فسوف تشعر بصفائك سوف يغادرك الشك، ولن تكون مكبلاً بأصفاد اليقين. يقينك هو اختراعك الشخصي، لصور خيالية وهمية جعلتها أنت السقف الذي تتعلق بمشاجبه.
اليقين صناعة، كما هو الشك نتاج فكرة نارية تشبثت بك، حتى أصبحت أنت الجزء من الشك وليس العكس.
التطرف العقلي يأتي من زاويتين، التطرف يأتي من زاوية الشك بالآخر، كما أنه يأتي من ناحية اليقين بأنك على صواب، والآخر على خطأ.
عندما تقع ضحية زاويتين مغلقتين تشعر بالاختناق، والاحتقان، مما يجعلك بالتفكير في كسر الحواجز، ولكي تتخلص من الحواجز تحتاج إلى مطرقة ثقيلة تهدم بها ما يعيقك، وما يعرقل وصولك إلى يقينك. ولكي تحقق أهدافك، فأنت بحاجة إلى قوة نارية عنيفة وشديدة المراس. أنت بحاجة إلى قوة تعينك على الخروج من صهد الشك، ومعوله الهدام.
ما بين الشك واليقين، خيط أرفع من، شعرة اللحية، ما بينهما علاقة الموت بالحياة، فأنت تولد وفي داخلك تحمل بذرة موتك، أنت تشك وفي أحشاء الشك يكمن يقينك، وأنت في اليقين، محمل بأوزان ثقيلة من الشك.
صاحب العقيدة اليقينية، لا يثق إلا بما يحمله من يقين، وإذا تورع من يقترب من يقينه ولو بخدش يسير، فإنه يقيم الدنيا ولا يقعدها، أنه يشعر بعدوان شرس، يهاجم كهفه، فلا بد من الاستنفار، ولا بد من حشد قوى الدفاع عن اليقين المتوهم، ويستتبع هذا عدوان مضاد وضراوة تصد، وترد المهاجم. وهكذا يجد المتطرف، عرقياً أو طائفياً، أو لونياً، ما يبرر فعله الشنيع، وتصوره في سفك الدماء، وتحوله من إنسان طبيعي، إلى كائن مصاص دماء.
اليقين يخرجك من آدميتك، إلى محيط الغاب، يدخلك في دوامة اللا يقين، يدخلك في التأويل، والتقليل من شأن الآخر. لقد وقف الفيلسوف العربي ابن رشد، ضد اليقين المصطنع، وواجه حملة شرسة من «اليقينيين» فأحرقت كتبه، ونكل به وشرد، ونفي. لماذا؟ لأنه أراد أن يخرج الناس من غيبوبة اليقين الأعمى، أراد أن ينقذهم من أنياب الشك.
ولكن كيف يحدث ذلك، والإنسانية قضت نحبها جراء هذا الموت المؤدلج، وهذا السبات الممنهج، وهذا اليقين المغموس بسم الشك، وهذا الشك، المغسول بحثالة اليقين.