مبدئياً، فإن أي مبادرة من القطاع الخاص، لتحسين نوعية حياة المواطنين مقدرة جداً، خصوصاً إذا كانت تصب في صالح أمانهم الأسري، كتلك التي بادر إليها 13 مصرفاً وطنياً، بإعفاء أكثر من ثلاثة آلاف مواطن من مديونيات، بلغت 361 مليون درهم، وتسويتها بالتعاون مع «صندوق معالجة الديون المتعثرة».
لكنّ ذلك حل مؤقت لمعضلة دائمة، مع الإقرار بأن تعثر المواطنين تراجع واقعاً وأرقاماً في السنوات الأخيرة، مقارنة بالأعوام التي أعقبت الأزمة المالية العالمية، بعد العام 2009، وزيادة خسائر المستثمرين الصغار من المواطنين جراء الركود العقاري حينذاك، وأشير هنا إلى أن الصندوق سارع إلى احتواء تداعيات تلك الأزمة، وأعفى ديوناً لمواطنين زادت عن 1.5 مليار درهم في العام 2014، وكان هذا الرقم ذَا مدلولات كثيرة، وساعد تالياً على ملاحظة الظاهرة، لكننا ما زلنا ننتظر حلولاً قبل عملية الاقتراض نفسها، وبعدها أيضاً.
الصندوق عندما يتحرك في هذا الاتجاه، يضع في اعتباره إنقاذ المتعثرين من التبعات القانونية، لعدم السداد، وحماية المقترضين وعائلاتهم من الانعكاسات المعيشية السلبية، كما أن البنوك، كمؤسسات ربحية، لديها حساباتها الكثيرة، ولا أقلل من مسؤوليتها الاجتماعية إزاء ظاهرة ترتبط بعوامل كثيرة، غير أن ثمة حلولاً، قبل أن يقدم المواطن أوراقه للمصرف، طالباً قرضاً شخصياً، أو تمويلاً لمشروع، أو توسعة لأعمال، أو حتى لشؤون استهلاكية، بعضها من الكماليات.
منح الدولة للمواطنين، ومشروعاتها الإسكانية، وبرامجها لتوطينهم في مختلف القطاعات، وتكفلها بالعلاج، والتعليم والابتعاث، وكذلك عنايتها بدخولهم وأحوالهم الوظيفية في القطاع الخاص، وشمولهم بكافة مظلات التأمينات المحلية، تجعل حجم الاقتراض الكبير محل تساؤل، فنحن نتصدر القوائم الدولية في مستويات الرفاه المعيشي، والدولة تتولى دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة، وما تقدمه الإمارات لمواطنيها لا يحتاج إلى كثير شرح.
في هذا السياق، هناك ما يمكن عمله قبل أن نصل إلى مرحلة التعثر. أولها التساؤل عن ضرورة الاقتراض، قبل ضمانات المقترض. فما هي نسبة القروض التي تعثرت، لأنها لم تراعِ دراسات الجدوى للمشروعات، وما دور البنوك في هذا الصدد، وثانيها، يتعلق بأوجه إنفاق القروض الشخصية، ولعل ذلك يستدعي مزيداً من التوعية من المصارف والجهات القضائية، وهذا ينسحب أيضاً على الاقتراض، لأجل كماليات، تجاوباً مع طغيان الثقافة الاستهلاكية في عالم اليوم.
أيضاً، يمكن الانطلاق في المعالجة الوقائية من التعثر بالنظر إلى أسبابه المرصودة في أكثر من دراسة، خلال السنوات الماضية، ومنها عدم إدراك التبعات القانونية لمخاطر الشيكات من دون رصيد، وزيادة قروض السيارات، خصوصاً الفارهة منها، وتعثر المشروعات التجارية، إلى جانب ضعف دراسة ظروف المقترضين من قبل البنوك، وهنا غالباً ما تأتي التسهيلات بنتائج عكسية في معظم الأحيان.
مجدداً، فإن التوصل إلى تسويات ناجعة لمديونيات المواطنين تدبير مشكور، لكن الوقاية من التعثر، بدراسة أسبابه، وتحليل نتائجه، يبقى الأهم إذا أردنا حلولاً ناجعة لهذه الظاهرة..