أمكنة لها رائحة الأحلام الزكية، وذاكرة لا تفقد بريقها. أمكنة تأخذك إلى صور ومشاهد وأحداث تبدو أمام عينيك مثل مرآة بأناقة زمنك الجميل.
أمكنة تشير بالبنان إلى بيتك القديم، إلى شجرة لم تزل تثمر فرحك الطفولي، وعفوية علاقتك بالآخر. أمكنة تفصح عن ذاك الطفل الذي كان يغادر منزله في كل صباح وفي عينيه تكمن رؤيته للعالم، ونظرته إلى الأزقة التي كانت تطفو على الرمل مثل وريد القلب.
أمكنة كانت الطيور فيها تحلق بأجنحة السعادة والغيمة تمطر تغريدتها الشجية. كنت أنت في المكان مثل قطنة الوسادة دافئاً، طرياً، ندياً، سخياً بمشاعرك، لا تخمن، ولا تضمن، ولا تقنن، كنت مثل النسيم تمر على الزقاق، تملؤه ابتسامة شفيفة، وتعبر من دون تهدج، أو لهوجة، كنت والأمكنة تمتلآن بحميمية، وصفاء، كانت الأمكنة، بالنسبة لك ظلاً يهفهف على مقلتيك، فيملأها الحنان، كانت تلامس نهارك بمسعى لا يكف عن بهجة، من نظرة تلقائية، لا يشي بها قلق، ولا نزق، ولا رهق، كنت أنت والأمكنة في سلام، ووئام، وانسجام، والتئام، كانت تثريك بالأمل، وكانت تمنحك فيضاً من تألق، كانت تسكنك، كما كنت تؤمها، كانت مثل القصيدة، ترتب جريدها وتدوزن سعفاتها على بحر طويل الموجات، وترسم صورة مثلى لكون يؤدلج مشاعر الناس على عقيدة الحب.
أمكنة كان الحب فيها سحابة تمطر أفئدة العالم بنث يحيي أعشاب القلوب ويرويها بعذب النبس، ورهافة الحس، ونقاء الطرس، وصفاء النفس.
أمكنة علمتك أن الحب مثل النخلة، إذا سقي بماء المكرمات، نمى، وترعرع، وتفرع، وأسمع من به صمم. أمكنة علمتك أن الحب إذا صفى يراعه، بانت حروفه، وأصبحت جملته مثل لوزة سبلت أجفان ثمراتها، واختصرت الزمن باصفرار مخضب بالأحمر اللذيذ، وعطر النبتة اليانعة.
أمكنة كانت في الجدل، جدولاً، وكانت في الجزل انثيالاً، وكانت في البذل بداهة، كانت في اللمظة ومضة، وكانت في اللحظة حضاً باتجاه الأحلام الزاهية كانت في الوجود وجداً يمجد عمر التواصل، ولا فواصل، ولا مفاصل، كانت أمكنة ترتب أشياءها الصغيرة، وتشذب أحلامها، بأنامل الوعي الفطري.
أمكنة، أشرعتها من قماشة البساطة، عندما تأتي الموجة تداعب بياضها، برموش الساهرات على حلم الذاهب إلى فيافي السفر البعيد. أمكنة لم تطو عباءة الفكرة المجللة بالوفاء، ولم تخربش على وجدان الطير المرفرف شوقاً، وتوقاً إلى شواطئ المحارات المبهرة.
أمكنة كانت ترتل آيات الليل على صوت هديل الغافيات على فرش الانتظار، الطافيات مثل الفراشات على مهد الأحلام النبيلة.