بدءاً بدقات القلب وانتهاءً بالخطى، هناك إيقاعات يقتنصها المبدعون والفنانون ليخلقوا منها أجواءً تُشعرنا بالحب والثقافة والإيمان والسعادة في آنٍ واحد. في الأسبوع الفائت، تلقيت دعوة لحضور ملتقى الموسيقى الخليجية مع موسيقى البحر الكاريبي، فحملتنا أشرعة المحامل وإنشاد النهامين وتصفيق اليزوى إلى بلاد السالسا والرومبا، فامتزجت المقادير لتنتج إبداعاً لا يعكس إلا التفاهم والتناغم والتسامح حتى في خروج الطبول عن نسقها المعهود، وكم يشعر المرء بالحنين الدفين ونشوة بلوغ الهدف، عندما تشق أوتار العود فضاءَ الجديد من الحضور.
لقد أدركت وكلي يقين بأن موسيقى الإمارات تسمو إلى العالمية، فتدخل القرى الصغيرة والأمزجة المتفاوتة، فتجعل الملتقى مندهشاً من جمال البعيد وقربه، ومتفاعلاً مع ما كان لا يعرف، وكأنه الأب العائد من رحلة طويلة. وفي كل مرة أرى فيها تفاعل الموسيقى الإماراتية مع الآخر أشعر أن الموسيقى هي حلٌ لجميع المشاكل والقلاقل حتى وإنْ كانت سياسية معقدة التركيب والمعنى.
تعلمنا من الحاضر كيف أن جذور الأجداد تنتج حتى في غيابها. فرغبت في تفصيل «منيور» لأن صوته يعجبني، ولأنه كسائر الآلات المستخدمة في فنون الأداء تلك، ذو هيبة، وله وجود ومعنى يسبق ما ترجع العين من أظافر الغنم.. المنيور عبارة عن تنورة قماشها من أشرعة الأبوام والتشالات التي شقت البحار الساحقة عمقاً، والخيران الضحلة، يُعَلقُ بالتنورة أظافر الغنم ليلبسها الفنان الذي يهز وسطه محدثاً أصوات الشكشكة، ذلك الصوت هو المطر والجري في الصحراء بلا نعال، والريح التي تطرب العريش، فتتخلل الجريد وتصدر صوتاً نخاف منه عندما كنّا صغاراً. قال لي صانع المنيور: المشكلة يا دكتورة أنك تحتاجين ما يقارب الألف ظفر من أظافر الغنم والتي نسميها محلياً «ظلوف». بدأت أجمع الظلوف من الأسبوع الفائت ولدي الآن ما يقارب الأربعين منها... أرواحٌ ستزهق وموائد ستعد ومنيور سيصنع وموسيقى سأفعل.
للعارفين أقول: المعرفة بالشيء تقتضي فعله وربط اليد بالعقل بالإبداع. وسأخبرك عن مغامرات المنيور عندما يكون جاهزاً... التعليم بالممارسة يمنحك قيمة أكبر مما نتصور فتعلموا واصنعوا... هذه تفاصيل الوطن التي علينا حفظها وحفظه.