سيظل عبدالله محمد المسعود حيّاً في ذاكرة الإمارات، وجزءاً من تاريخ عريق، سطره رجالها، فالموت يُغيّب الجسد فقط، لكن المواقف المشرفة تعيش طويلاً، ولا يطويها النسيان. ويجدر بنا، نحن أبناء الإمارات وبناتها، أن نظل ممتنين لآبائنا الذين عاشوا في حياة رمزنا الكبير زايد الخير، وتعلموا منه أن الأوطان تعلو بالإيثار والعطاء، دون انتظار الثمن.
الرجال يعرفون بمواقفهم، وعبدالله المسعود من قاماتنا الوطنية العالية التي عملت بصمت لأجل الإمارات، طوال عقود طويلة، فالراحل مثل جيله، ضرب أمثلة كثيرة في نكران الذات، عندما تعلق الأمر بالإمارات، وكان سياسياً واقتصادياً بارزاً في مسيرة الدولة، وإمارة أبوظبي، ومن أولئك الرجال الذين ينظرون إلى المال والأعمال وسيلة لخدمة البلاد ودعم تنميتها ونهضتها، قبل أي اعتبار آخر.
الرجال أيضاً، لا ينسون المواقف الكبيرة، فبعد ربع قرن على غزو الكويت في العام 1990، وقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على منصة القمة الحكومية في العام 2015، ليتذكر موقفاً قلّ نظيره للمسعود، بصفته مالكاً لواحدة من أكبر وكالات السيارات في الدولة، وذلك حينما لبى نداء بلاده، واعتبره واجباً، تصغر أمامه كل اعتبارات التجارة.
القصة باتت معروفة، وحين ذكرها ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإنما لتعرف الأجيال الجديدة آباءها من رموز العمل الوطني، وفصولاً من نهضة بلادهم. فقد طلبت قواتنا المسلحة من الفقيد أسعاراً لشراء أربعة آلاف سيارة، أثناء الغزو، فما كان منه إلا أن وفّر عدداً أكبر من السيارات المطلوبة، ورفض الحصول على ثمنها، معتبراً ذلك واجباً، وردّاً لجزء من المعروف للإمارات.
في العام 1990، وفي مبادئ جيل عبدالله المسعود، لم تكن خدمة الوطن، تستدعي نشر المواقف في الإعلام. ولم يكن دافع رجال المال والأعمال الترويج لتجارتهم، عندما يبذلون لبلادهم. ولعل ذلك ينسحب أيضاً على جهود الفقيد الجبارة في عمل الخير، وتحديداً في دعم مبادرات التعليم فرصاً ومنحاً وتشجيعاً، من موقعه نائباً لرئيس مجلس أمناء صندوق المانحين لجامعة أبوظبي، ولن تنسى له الإمارات كذلك أدواره في تطوير الزراعة، وفي علاقات الإمارات الخارجية التي استحق لقاءها تقديراً خاصاً من الجمهورية الفرنسية، العام 2008، بوسام «الاستحقاق الوطني» برتبة فارس.
رحم الله الفارس الإماراتي عبدالله المسعود، الذي ترجّل، بعد حياة حافلة بالنبل والرجولة والإيثار، وأحسن عزاء ذويه وعائلته، والآلاف ممن شملهم عطاؤه وأعماله الإنسانية، في بلادنا العزيزة.