لقد كانت دولة الإمارات طوال تاريخها حاضنة لقيم التسامح والعدالة والتعددية الثقافية، باعتبارها قيماً متأصلةً في ثقافة وعادات مجتمع الإمارات منذ القدم، زرعها الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والآباء المؤسسون على هذه الأرض، فأنبتت نباتاً طيباً وعم خيرها على الجميع، لتستمر القيادة الرشيدة على نهج الآباء إدراكاً بأن العنف والصراع أساسه غياب ثقافة الحوار وقبول الآخر، بما يستدعي تعزيز التسامح لمصلحة حاضر الأجيال ومستقبلها.
لم يذكر التاريخ يوماً أن الإمارات انتهجت أو شجعت على العنف والكراهية والتعصب، بل على العكس حرصت على مأسسة قيم التسامح والمحبة بين البشر، فوضعت قانوناً خاصاً بشأن مكافحة التمييز والكراهية، يثري ثقافة التسامح، ويسهم في مواجهة مظاهر التمييز والعنصرية، ويجرّم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، وينبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل التعبير.
استهلت الإمارات عام التسامح باستضافة كأس أمم آسيا على أرضها، البطولة الأكبر في تاريخ آسيا، حدث رياضي ضخم يمثل فرصة مثالية تنشر من خلاله دولة الإمارات رسائلها الحضارية المتمثلة في المحبة والتسامح والتلاقي الثقافي أمام 300 مليون مشاهد من القارة الآسيوية عيونهم تتجه نحو دولتنا، يتعرفون على ثقافتنا وتقاليدنا وتراثنا ومبادئنا وقيمنا.
تعد الثقافة مدخل التسامح والحوار، لما يمثله التبادل الثقافي من قوة حقيقية تخلق نوعاً من المحبة والصداقة، وتوثق الصلات الاجتماعية، وتبني جسور الحوار بين الثقافات، والتحالف بين الحضارات، بما يعزز التفاهم الإنساني بين الشعوب من خلال الفكر، لأن الحوار الثقافي هو أقوى سلاح نمتلكه لإنقاذ العالم من مشاكله وهمومه وتحدياته، حتى يسود قانون المحبة والتسامح ونضمن مستقبلاً مشرقاً لأجيال المستقبل.
تدرك الإمارات أهمية التبادل الثقافي على اختلاف أشكاله وصوره سواء داخل الدولة أو خارجها، فتحرص مؤسساتنا الوطنية على الحضور المشرف في المحافل الثقافية، وإبراز الصورة المشرقة للإمارات وثقافتها، وكان آخرها مشاركة الشارقة ضيف شرف الدورة الـ27 من معرض نيودلهي الدولي للكتاب، خطوة مهمة تسهم في وصول الإبداعات الإماراتية إلى جمهور عالمي محب للثقافة والفن، يتسم بالتعددية والتنوع. وكما تنفتح الإمارات على الشرق القريب، فإنها أيضاً تفتح حواراً مع الغرب الصديق من خلال مبادرات عام الحوار الثقافي الإماراتي الفرنسي، والذي أسس لمسارات جديدة من التعاون الإبداعي بين الشعبين. كما عزفت الإمارات ألحان الصداقة في الأسبوع الإماراتي الصيني خلال زيارة الرئيس الصيني إلى الدولة.. وكم كان المشهد معبراً عندما عزف فنانو الإمارات والصين مقاطع موسيقية مشتركة أسرت قلوبنا، وعبرت عن عمق التمازج والتناغم الثقافي بين البلدين.... هذا مثال فقط على قوة الثقافة في خلق بيئة متسامحة منفتحة على الآخر.