ظل الريح من أجمل الروايات الذي كتبها كارلوس زافون عام 2001، والتي حازت إعجاب القراء وترجمها إلى العربية معاوية عبد المجيد، كذلك ترجمت إلى أكثر من 40 لغة. وبيع منها في بريطانيا وحدها مليون نسخة. تبدأ الرواية بتعريف ضمني بأن أحداثها تقف على حافة عام 1945، وتلج في أحداث تاريخية مشوقة، وبداية من مقبرة الكتب المنسية.
وهذا يدل بأن الكتاب هو مصداق لعمق الحياة، والحلم الذي يمرر عبر قوالب دينية واجتماعية، وكيف تخفي الحياة الثقافية وراءها عالماً لا نهاية له، تقول الرواية «عالم يحفز النفس على استكشافه، بينما يهدر الناس في الخارج أوقاتهم وينفقون المال على جهلهم أيضاً»، فمن وهج ذلك العالم، وبداية صيف عام 1945، يستمد الكاتب روايته.
من هذه البداية، يعبر الكتاب من نهاية حقبة الحكم الملكي الإسباني، وعبر الحرب الأهلية، ويجسد ما طرأ على الحالات الاجتماعية، عارضاً حالات من الحب بقصص جميلة، تؤدي نهاياتها نحو الزواج، وهذا ما يؤكده الكاتب في تركيزه على سمات الأسرة المترابطة، وهو ما يعكسه في حياة الطفل «دانييل» بين فقده لأمه وحزنه الشديد عليها، وحبه الشديد لأبيه وعدم مقدرته في التعبير، وكان يقابله بخفاء ذلك الحب أو تأجيل البوح به.
ما استوقفني أيضاً على لسان دانيل قوله «وجدت والدي غافياً على الأريكة، وكتابه المفضل في حضنه، نظرت إليه كان يتقدم في السن وجلد وجنتيه يرتخي» فعلاً كل طفل مرآة أبيه.
لعب الكاتب على الدور الديني في الحياة، فلا يخلو زمن من الخطيئة، يغفرها الله، بينما الإنسان يظل يعاقب ولا يتعظ من الرسالات السماوية، التي جاءت لتعلم البشرية ليستيقظوا من جهلهم، بل تظل البشرية تعاقب نفسها بالظلم والشقاء، وتفقد القوة في الحوار أو تلجأ إلى الزيف والحماقة، مما يوقعهم في الذل والهوان، وتميط الرواية اللثام عن مراحل من التصوف القائم على المنهجية المادية أو الأفكار الاشتراكية التي تقاوم الشر بطريقة خاطئة.
جمالية هذه الرواية، وبرغم الأحداث المعقدة صرفا، إلا أنها تظل من أجمل الروايات سلاسة لغوية، وأفكاراً مترابطة، وتوهجاً في العرض، وبرغم أنها تقوم على مبادئ اندثرت إلا أن رابطها بالحياة ما زال، وطالما أن للإنسان أحلامه المتوافقة مع المبادئ التي يؤمن بها فإنه سيظل يثابر من أجلها.