سئل الفيلسوف والأديب الفرنسي فولتير ذات مرة: من سيقود البشر؟ فأجاب: الذين يعرفون كيف يقرؤون.. يثبت التاريخ الإنساني صحة إجابة فولتير، فقد اكتسبت الكلمة منذ القدم أهمية بالغة، واحتلت مكانة متقدمة في حياة الإنسان، حتى أن جميع الديانات والحضارات والثقافات كرّمتها، ووضعتها موضع الاحترام والإجلال، باعتبار القراءة رمزاً من رموز الحضارة، ووسيلة استكشاف الأشياء، والطريق الأقصر لتنمية المعرفة، وتحفيز خيال وأحلام القارئ، ومن يُتقنها ويقدرها سيقود البشرية بلا شك.
حافظ الكتاب على بريقه ومكانته وهيبته منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا، فرغم كل التحولات التي شهدتها الحياة من تطور وتقدم تكنولوجي متسارع، إلا أن وظيفة الكتاب ظلت واحدة لا تتغير أو تتبدل وهي تنوير العقول، وتهذيب الأخلاق، وفتح آفاق الإبداع.
خصصت الإمارات أحد أعوامها للقراءة، بهدف تكريسها عبر جهد مؤسسي توج بإصدار القانون الوطني للقراءة، أول قانون من نوعه يرسخ القراءة قيمة حضارية مستدامة، والاستراتيجية الوطنية للقراءة 2026 التي تتضمن 30 توجهاً وطنياً رئيساً في قطاعات التعليم والصحة والثقافة وتنمية المجتمع والإعلام والمحتوى.
تحتفي دولتنا هذا الشهر بالقراءة، وتتحول مؤسساتنا الوطنية إلى خلية عمل يومية، وتشهد مختلف إمارات الدولة نشاطات معرفية غير مسبوقة، تتضمن أكثر من 543 فعاليةً ومبادرةً ومشروعاً حتى الآن، تبرز القراءة كأحد المظاهر الحضارية الثابتة في المجتمع.
يعد شهر القراءة مناسبة سنوية لتشجيع القراءة، وابتكار أساليب جديدة تطور واقع القراءة باعتبارها مدخل العلم والمعرفة، ومقياس مدى تقدم الشعوب. تثري القراءة عقول شبابنا، وتوسع مداركهم الفكرية والثقافية، وتحرك طاقاتهم الكامنة، كما تعزز القراءة الواعية دورنا في رسم ملامح الحضارة الإنسانية، لأننا نراكم على خبرات من سبقنا من الأمم، ونستلهم من الكتب عُصارة تجارب العلماء والمفكرين والمثقفين.
رفعت الإمارات مستوى طموحاتها، ووسعت نطاق مبادراتها القرائية لتشمل الطلاب العرب في جميع أنحاء العالم من خلال «تحدي القراءة العربي»، ليصل عدد المشاركين في الدورة الحالية إلى 13 مليون طالب من 49 دولة حتى الآن، ويهدف التحدي لأن يقرأ كل طالب 50 كتاباً في كل عام أكاديمي، بحسب ما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله،.. مبادرة حضارية أحدثت قفزة نوعية في الوطن العربي بأسره، وأسهمت في غرس شغف القراءة في نفوس النشء.
كلنا ننتظر افتتاح مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، الصرح الثقافي الأضخم إقليمياً، مشروع يعيد صياغة مفهوم المكتبات بما يتضمنه من فعاليات ثقافية ومعارض فنية، وكتب يتجاوز عددها 4.5 مليون كتاب ما بين ورقي وإلكتروني وسمعي.