هذه المنطقة التي تنام في قلب الجنوب العربي مثل شجرة لبان أو سنديانة قديمة، هذا التاريخ العريق للمهرة والتي ظلمتها الأيام كثيراً في التحولات والتبدلات التي طالت أرض الجنوب العربي، رائحة اللّبان والسدر والرمال العربية التي صنعت تاريخاً مهماً في الإنسان المهري، ذلك الرائع المكافح على مر التاريخ، وذلك الوعاء الحافظ والمؤتمن على اللغة المهرية أو اللهجة المهرية، وكأنها نياشين وأمهار قديمة للغة الموغلة في القدم.
تحوّلت كل الأشياء في الجنوب العربي، وحلت بدلاً عنها أشياء أخرى، تبدلت تلك الحياة القديمة ووصل كل جديد إلى أرض اليمن.. وحدَهُ المهري الجميل المكافح ظل يحمل همَّه وهمَّ منطقة المهرة ولغتها معلناً أنه مرتحل مع كل جديد وكل تغير وتبدل، ولكن المهرة، هي المهر الغالي الذي يدفعه هذا المكافح للزمن ليأخذ منه ما يشاء، كدّه، تعبه، واغترابه، وبعده عن أرضه الجميلة، وقلبه الذي يسكن تحت كل شجرة وحجر ورمل وماء. كان يلوح عند أبناء المهرة أمل بأن تنهض المهرة يوماً ويسمح لإنسانها ببناء منطقته وإعمارها بما هو مستطاع، على الرغم من ظلم وفقر الإدارات والحكومات التي توالت على أرض الجنوب ونسيان أو تناسي أغلى وأعرق بقعة في تاريخ الجزيرة العربية.
لقد هاجر المهري إلى أقطار كثيرة حاملاً عشق أرضه، وذابت الكثير من الجماعات والأسر المهرية في أجزاء الخليج العربي والجزيرة العربية، ولكن ظلّ بعض الأحفاد من مواطني دول الخليج العربي ذوي الأصول المهرية، يلقنون ويدرسون الأحفاد عشق المهرة.. صحيح أن بعضهم لا يعرف المهرة ولم يحضر رحيل أجداده القدامى، ولكن أحسب أنهم يحنون إلى تلك المرابع.
في هذه الأيام تنطلق من أرض المهرة أول فضائية تحمل اسم المهرة وتقدمها لبناء الإنسان العربي لتعيد التعريف بما أهمله السابقون من إعلاميين أو مثقفين أو مسؤولين محليين، وأجمل ما يميز المهرة من حيث الشعر أو الفنون هو روعة الفن المهري وانتشاره في المحيط المجاور من عُمان إلى الإمارات.
وعندما تستمع إلى تلك الفنون، فإن من الصعب أن تميزها عن الفن الظِّفاري، صحيح أن المهرة وظفار هما أرض واحدة وناس مندمجون في التاريخ والأسر والحياة الاجتماعية، لذلك فإن الفنون تأتي واحدة، والشعر أيضاً بنفس الروح والجمال الشعبي المهري. توقفت عند بعض الإيقاعات المنتشرة في الأغاني الإماراتية الشعبية القديمة ووجدت أنها لا تختلف عن الفنون والغناء والإيقاعات المهرية، صحيح أن هذه الشعوب واحدة في الأصل والانتماء من الساحل إلى الداخل، ولكن ظلّت المهرة شبه مهجورة التعريف بفنونها وثقافتها، والآن، وبهذه الإطلالة عبر محطة فضائية خاصة سوف تتسع المعرفة بهذه المنطقة الجميلة، وسوف تدفع بأبناء الخليج العربي إلى زيارة أرض أقدم لهجة ولغة مهرية حفظها التاريخ وناسها حتى هذا الزمن، المهرة جميلة الاسم والمعنى، أهلاً...