أعلن مهرجان طيران الإمارات للآداب في دورته للعام 2019 فوز الأديب الكبير عبدالغفّار حسين بجائزة شخصية العام الثقافية. وهو اختيار مستحق لشخصّية إماراتية فذّة يمتد عطاؤها الثقافي والعلمي إلى أكثر من نصف قرن. وقد تعرّفتُ على خطاب (أبو نبيل) الثقافي منذ الثمانينيات عندما كنّا في بدايات تشكّل تجاربنا الشابة باعتبارنا جيل الحداثة في الإمارات، وكان معظمنا يكتب قصيدة النثر في مجتمع يرفض هذا النوع من التجارب الجديدة. لكن أبو نبيل باعتباره رئيس اتحاد الكتّاب آنذاك، وبرؤية تتسم بالشمولية، اختار أن يجمع نصوصنا ونصوص جميع الشعراء الآخرين من كتّاب التفعيلة والعمود وأصدرها في أول كتاب شامل يجمع شعراء الإمارات في العام 1986 بعنوان (قصائد من الإمارات).
يمتد العمل الثقافي للأديب عبدالغفار حسين ليشمل عدّة جوانب. فهو من جهة يعد أحد مؤسسي الحياة الثقافية في دبي والإمارات. بداية من تدويناته للحياة في دبي منذ فترة نهاية الخمسينيات عندما كان يعمل في بلدية دبي (قال لي مرة: لا تزال الكثير من هذه الأوراق في الأرشيف القديم لبلدية دبي وبخط يدي). ثم تأسيسه لمجلة أخبار دبي والكتابة فيها، وتأسيس مكتبة دبي العامة ومتحف دبي لتتسع بعدها دائرة العمل في عضوية ندوة الثقافة والعلوم وجائزة العويس الثقافية والكتابة في الصحف، وتقديم المحاضرات عن تاريخ الإمارات والمشاركة بالحضور والنقاش في جميع المناشط الثقافية. وقد لمست في خطاباته فهمه العميق لتاريخ الإمارات وتاريخ العوائل والأسر التجارية في المنطقة، وعشقه وشغفه المحب للشعر والأدب. ولنحو ثلاثين سنة من حضوري لأنشطة ندوة الثقافة والعلوم كصحفي من جريدة الاتحاد في فترة التسعينيات، وكمتابع حتى اليوم. كنت دائماً أنتظر اللحظة التي يقدم فيها أبونبيل مداخلاته القيّمة ويسرد لنا شيئاً من قصص البدايات الأولى التي لا يمكن أن نجدها في المراجع والكتب.
قدم أبو نبيل مجموعة من مؤلفاته المهمة في الشعر والتاريخ وتراجم الرجال. لكن حقيقة الأمر فإن المؤلفات والمدونات والمذكرات والمشاريع الثقافية التي ينوي العمل عليها كثيرة جداً. وقد زرته مرات في مكتبه ورأيت كمية الأوراق والكتب المكدسة والقصاصات التي تنتظر الجمع والتوثيق والعمل عليها لإصدارها في كتب. وأنا على يقين بأن مشاغله كرجل أعمال، ومسؤولياته الوطنية والاجتماعية لن تسعفه لإنجاز هذه المهمة إلا إذا تصدّت جهة ثقافية إلى جمع هذا المخزون الكبير وإعداده للنشر بداية من اليوم وليس غداً.