كان احتفالاً جميلاً مدهشاً، حميمياً، أيقظ الذاكرة من ركام السنين التي طمرت في تعاقبها أحداثاً وصوراً وأصدقاء وأحباء نقشوا حضورهم في عمق ذاكرة الصبا والشباب. في تلك الأمسية التي نظمتها أسرة الأدباء والكتاب في البحرين احتفاء بيوبيلها الذهبي لأوائل الشعراء بعنوان «شعراء أول أمسية للأسرة 3 يناير 1970»، أجمل ما فاجأني أن في الأمسية التي أدارها د. راشد نجم تسجيلاً صوتياً لأول الشعراء الذين تغنوا بقصائدهم في تلك الأمسية. فقد استمعت إلى صوت الشاعر الدكتور علوي الهاشمي وهو يلقي قصيدته بنبرة صوته الشاب، والشاعر علي عبدالله خليفة، ثم صوتي وأنا أقرأ قصيدتي الأولى في تلك الأمسية. ولقد انتبهت إلى أن التقدم في العمر يغير نبرة الصوت وإيقاعه، فلو لم تكن المناسبة هي التي أشارت إلى أنني كنت ضمن الشعراء الأول لما عرفت أن ذلك الصوت الذي سمعته كان صوتي!!
لقد كانت الأمسية من الأمسيات الاستثنائية للأسرة كما أكد د. راشد نجم، فقد شارك فيها شعراء الأمسية الأولى الذين كنت من بينهم، لكنني لم أكن أتوقع، حين دعيت من قبل أسرة الأدباء، أنني سأسمع صوتي وأنا صبية.
يااااه.. خمسون عاماً مرت منذ بدأت أنقش قصائدي على صفحة الذكريات والوجود. كان التسجيل الصوتي يحتوي على كلمة للناقد أحمد المناعي، وكلمة المؤسس الأول للأسرة الدكتور محمد جابر الأنصاري الذي صاغ خطط النهج الفكري للأسرة، وأذكر أنني كنت من بين الذين ساهموا في صياغة دستورها. وقد وضعنا لها شعارها الرائع: (الكلمة من أجل الإنسان). بعد انتهاء الاستماع إلى التسجيل الصوتي، طلب منا أن نقرأ بعض القصائد، فقرأ د.علوي الهاشمي قصيدة تفيض بالأسى ولعلها كانت من قديم قصائده. ثم قرأ من جديده. ثم اعتلى المنصة الشاعر علي عبد خليفة وقرأ قصيدة تفيض بالذكريات والأسى، كأنما الماضي كان أرقى وأجمل وأكثر إشراقاً. والحق أنه كان كذلك. ثم جاء دوري لأقرأ قصيدة من الماضي، فقرأت قصيدة (تراب الروح) التي رحبت بها بوجودي في البحرين التي عشت فيها صباي وشبابي، ونقشت فيها أولى عثرات خطاي على درب القصيدة والإبداع والثقافة. ثم قرأت بعض جديدي الذي دونته عثرات الحياة على صفحة وجودي الراهن. لم تكن الأمسية إحياء لذاكرة الشعر، بل كانت إيقاظاً لذاكرة الحنين لأصدقاء الماضي، فقد أنعش حضورهم ذاكرة القلب. كانت صور الوجوه تستيقظ من الذاكرة، لكن لأن الاسم إيقاع صوتي ينسى في خلايا تراكم الحاضر!!