ارفع كفَّك ولوِّح للطائر المغادر أو حتى العابر، حمِّله هموم الأيام أو أقرئه السلام، حمِّله رسائل كتبتها يوماً، لا تبالِ بشيء فليرحل من يرحل ويغادر من قرَّر المغادرة. حسِّن هذه النفس الكريمة واعتن بالحياة وبالجمال وبالفرح، سوف تحزن كثيراً أو قليلاً، ولكن الحياة بالتأكيد سوف تدور، وربما سوف تجد نفسك بأنك أرهقتها في الإجابة عن أسئلة كبيرة أو صغيرة، وإن تعبت حياتك من الأيام، اجعل نفسك سفينة في بحر واسع، واتبع خطوات الموج وارتحال الريح، فلابد أن ترسي سفينتك على شاطئ بعيد أو قريب، لا يهم أبداً طول غربتك أو رحيلك، المهم أن الموانئ والأرصفة التي سوف تتسلم أولى خطواتك المرتحلة بعد أن تغادر تلك السفينة التي طافت البحار، وعبرت مع الريح الممرات الكثيرة. تذكر أن الأرصفة هي ساحات للغناء والفرح وتجديد الحياة، كل الموانئ، هكذا تبدو بعد الرحيل وكل البحارة رفعوا أصواتهم وتركوا لحناجرهم أن تغني.. لوِّح لكل مغادر ولذلك الذي لا يغادر أبداً، وإن غادر في لحظة ما فلابد أن يعود أدراجه. إذن لوّح للمسافر والمغادر والمرتحل في زمنه أو دنياه الواسعة، فلابد أن يعود يوماً، إن لم يكتمل حضوره الطاغي والمقتحم لدنياك كما كان قبل المغادرة، فإن عاصفة الذكريات سوف تأتي في لحظات تعيد لك شيئاً ما مما سجله الزمن.
كل الطيور عائدة إلى بحارها وأشجارها ومناطقها مهما طال ترحالها، فهي تقرأ سر تلويحة الزمن والحياة، وتعشش ما أن تبقى الذاكرة حية ونابضة بالحياة والجمال والتجديد في دورتها.
المهم ألا تهدم الجسور، ولا تخرّب الموانئ، ولا تعكس صورة الروح الجميلة التي قدمتها لزمنك، وأن تحافظ على كل شيء، كما كان مهما كانت صعوبة الوقت والظروف، وأن تترك للمغادر شيئاً من جمال البيئة والطبيعة وزمن الصفاء، الجميع قادر على كل شيء الفرح والابتسام، الغضب والظهور بوجه مخالف، ولكن قليلاً جداً ما تجد ذلك الذي يضبط غضبه، ويجعل الحكمة هي رأس المال أو آخر نقطة أو قطعة ذهبية يحتفظ بها، ويستطيع أن يلوح بالسلام وإن اعتصر قلبه الألم، نعم لوح للمغادر وللطائر العابر والمرتحل، فالحياة لا تستحق أكثر من تلويحة.
كان ومنذ الطفولة يلوح لطيور النورس الراحلة والقادمة بفرح البحر وسعادة الرمل والشواطئ الفضية، تعلم أن يلوح بسلام وحب وصفاء لكل شراع عابر وكل قارب وسفينة قادمة أو راحلة، وحده البحر والأمواج وهبوب ريح البحر البارد يعلمك كيف تحب الحياة، وتلوح للطائر الأبيض/‏‏ النورس.