وصلنا «ميرج» كما ينطقها الشواب أو «ميراج»، كما هو اسمها الحقيقي، كانت الفنادق في معظمها تشبه الفنادق العاثرة أو «مسافر خانه»، فاقترحوا علينا بعض الأخوة العارفين بأن نستأجر منزلاً بملحقاته، فهو أفضل للراحة والاستجمام، وعدم «المغثة» من أحد، ففرحنا معتقدين أنها فيلل بحوض سباحة أو «بنغلو» على طريقة دول جنوب شرق آسيا، فإذا هي أشبه بالبيوت الشعبية أول ما ابتدأ عندنا البنيان، بل أصغر، فقلت لنجرب المعيشة في هذه المدينة كيفما هو أهلها، فقفز السمسار قائلاً: هذه للعرب فقط، فهي أوسع وأنظف، وستأتي طباخة، وشغالة، ومدبرة منزل، وسيقمن بالخدمة اللازمة.
وصلنا المنزل المستأجر، وإذا بصف من العاملات، والكل يتسابق للعمل معنا خلال زيارتنا، فقلت تجربة جديدة بالتأكيد، فاخترنا العاملات، وفق مواصفات، أنهن يجدن طبخ الأكل العربي، والهندي، وسيحرصن على النظافة، وغسل الملابس، وترتيب الغرف، المفاجأة التي جعلتنا نزيد من فترة الزيارة أول غداء تناولناه، «تويس صغير، مع رز برياني، حار، وعليه حشوة» لا تعرف هل هو مقلي أم مشوي أو مدفون؟ لكنه من ألذ ما طعمت، وفي الصباح رغم قرقعة الهنديات لأواني المطبخ، ورمستهن الزائدة على الريق، وقطعهن لسويعات النوم الجميلة بعد صلاة الفجر، إلا أن الفطور كان مثلما تشتهي النفس وأكثر، أبريق من شاي الكرك، وخبز بثلاثة أنواع: «براتا وجباتي ورمالي نان»، وبيض الدار، وكيما، ولحم ناشف، فقلت: «عزّات والله ما بنشوف الشمس، كان مثل هذا كل يوم»، لأن بعد ذاك الفطور، ظل الجماعة يتثاءبون، ويتمتحون، ويتكسلون، وفي الآخر خرجت منهم تلك الجملة: «والله نآنسنا ما نروم نظهر اليوم»!
بقينا أسبوعاً، مثل كأننا خرجنا من عملية ولادة، «فطور يركته غداء، متبوع بعشاء، وعلى هالشكل هوبيس»، فقلت: لهذا يعجب الشواب بمرج، من هذا الذي يطحنونه كل يوم!
ولولا الإغراءات الكثيرة التي استعرضتها على أصدقاء الرحلة، لما تحركنا شبراً، لكنني أقنعتهم بجمال مدينة «غوا»، وما يمكن أن نجده هناك.. وهناك فقط، فالصورة عنها، مثلما جاءتنا من السينما الهندية: مدينة تضم الهبيين الذين يعيشون عيشة بوهيمية فيها، حتى حينما دخلناها، لم نشعر أنها ولاية هندية أو تنتمي للهند، كأنها بقايا سفينة برتغالية رست على السيف مرة، وتركها أصحابها للأبد، خاصة مدينة «فاسكو دي غاما»، والعاصمة «بنجاي» التي تقع على مصب نهر «ماندوفي»، والمدينة التاريخية الثقافية «مارغاو».
في «غوا»، وجدنا الفنادق الفارهة، والـ «بنغلو» الشاطئية، وشواطئ الهبيين، ما افتقدناه ذلك الغداء والفطور في «ميراج»، والبيت الشعبي الدافئ، فاقترحت عليهم أن نرجع يومين، فقط من أجل أن نتغدى ونتفطر، كانوا متحمسين كثيراً أثناء الليل، وحينما صحوا بجفون منتفخة، تراخت الموافقة الأمسية، وقفلنا راجعين نبغي «بمبي، وفيها الملتقى مبيوح»!