نعدو صوب المصلحة بلسان شيمته المراوغة، ونذهب إلى الآخر بوجوه ملؤها ابتسامات أشبه بالحمى، إنها ترفع درجة الحرارة إلى درجة فيها تهلك القيم وتنوء الأخلاق بغبار النفاق.
عندما تتضخم المصلحة، تبدو الحياة مثل السيل يجرف، ويحرف، ويغرف من معين الشخصية، حتى تبدو مثل ملاءة قديمة.
عندما نكون في سطوة المصلحة، تغفو الشمس، وتأبى أن تشرق في السماء ويتكئ القمر على كومة من القش، وتزدهر الأعشاب الشوكية، وتفرش الطفيليات حصيرها الرث عند دكة الأهواء، والأنواء، والأرزاء، وتبدو موائلنا مثل أعراش بلا سقوف، نكون عند حافة الشوق، لكل ما هو رديء، ولا تمنع أخلاق من ارتكاب أشد الأفعال نذالة ورذالة!
عندما تبرز المصلحة رأسها المسنن، نصبح نحن سكاكين حادة، نجرح الأيدي التي تمتد إلينا، وحتى لو في راحتها تفاحة الفرح. عندما تغدو المصلحة في ريعان تألقها، نكون نحن كأنياب ضباع جائعة، لا نخف، ولا نكف عن تهشيم عظام الكائنات وهي حية، بل ننتشي عندما نرى الفرائس تنتفض ألماً جراء غرس أنيابنا في لحمها الطري.
عندما تنتعش مخالب المصلحة، تغيب عن وعينا عفوية الحياة، وعفة الغريزة، نكون بلا قلوب، ولا دماء صافية، نكون كجراد الصحراء، نتلف الأخضر، ونأتي على اليابس، ولا نبقي ولا نذر، نكون، طوفاناً عارماً يغزو المكان، والزمان، ويطيح بالأرواح، ويفسد الأفراح، نكون كسيل جارف، يخرق، ويهرق، ويمزق، ويغرق، ويسرق من وجه الحياة ابتسامة الأمل، ولا نترك ذرة، ولا بذرة، إلا ونهتكها، ونهلكها، ونجعل كل من على الأرض، من بشر، وشجر، وحجر، في عداد المفقود.
في العفة، عفاف، واصطفاف باتجاه النقاء، في العفة نحن نكنس فناء العالم بأنامل الصدق، ونصفي الأنهار بمنخل الكبرياء، ومشاعر الحب.
عندما تنمو العفة في نفوسنا، نصبح مثل الأزهار، لا يحرك مشاعرها إلا نسيم الهواء الطلق، ولا تهفهف وريقاتها إلا أجنحة الفراشات الملونة، بجمال القيم.
عندما تزهو العفة في قلوبنا، تزدهر ابتسامتنا بجلال الطبيعة، وتزهر عيوننا بجمال المبادئ القويمة، نكون كالنخلة في العطاء، وكالجياد في الوفاء، فلا ينحني لنا ظهر، ولا يعرقلنا كدر، نكون في الحياة عشباً قشيباً، تسرب في عروقه ماء المكرمات، فنما، وترعرع على تربة الإيثار، والتفاني من أجل الآخر، من دون انتظار جزاء أو ثواب.