لا يمكن التردد في أي إجراء يستهدف حماية أرواح الناس من انتشار وباء كورونا، والعالم اليوم يتخذ تدابير واسعة ودقيقة لحصار الفيروس، ويرصد كل البيئات والمساحات التي قد ينشط فيها أو يستقر أو يكون قادراً على الوصول للبشر.
الصحافة الورقية، ليست استثناء، فطباعتها وتوزيعها وتداولها، تشكل بيئة خصبة لنفاذ الفيروس، ووصوله إلى الناس، وقد أظهرت المواجهة العالمية مع الوباء من الصين إلى أوروبا إلى الولايات المتحدة، أن السياسات الأكثر سرعة وتشدداً، تؤتي منافع مباشرة، أكثر من نظيرتها البطيئة والمتساهلة، إذ لا يمكن ترك الأمور للصدفة والاحتمالات.
السؤال الأهم: هل يمكن أن يؤدي تداول الصحف المطبوعة بآلاف النسخ إلى المساهمة في انتشار فيروس كورونا، وما مدى الخطورة ومستواها؟. يجيب الأطباء وخبراء الأمراض المعدية، إن الإمكانية موجودة، والمخاطر لا يمكن تجاهلها والتقليل من شأنها، لأن إصابة واحدة فقط، تستطيع بناء سلسلة طويلة ومعقدة من الإصابات التي قد تخرج عن السيطرة، فالصحيفة لا تصل من المطبعة مباشرة إلى القارئ والمشترك، ولا يمكن تعقيمها، وهي ليست سلعة غذائية، تنضبط بشروط ومعايير صحية دقيقة.
لا نتحدث هنا عن الخسائر المالية، في التوزيع والإعلانات، والاشتراكات المدفوعة سلفاً. هذا ليس مجالها، ونحن نواجه مع غيرنا كارثة عالمية. ثم إن هذا ليس مكانها في الإمارات تحديداً، وقد سخّرنا مليارات الدراهم لاحتواء الوباء، ووضعت قيادتنا كل إمكانات الدولة وعوامل قوتها الاقتصادية والاجتماعية لحماية المواطنين والمقيمين على أرضنا.
كل الخسائر قابلة للتعويض، ويمكن احتمالها الآن، إلا خسارة الأرواح، وما يسري على قطاعات حيوية كثيرة في بلادنا، يسري بالضرورة على الصحافة والإعلام، واقتصار الطباعة للمشتركين فقط مؤقتاً يصب في جملة الإجراءات الوطنية، التي نتخذها في هذه الظروف الاستثنائية، فاعتبار المصلحة الوطنية، يتقدم على العوائد والمكاسب الأخرى مهما كانت، خصوصاً أننا أوقفنا نشاطات اقتصادية عالية المردود، بإرادة سياسية، لا تعرف التردد.
اقتصار الصحف على المشتركين، يتزامن أساساً مع خطط طموحة للتحول الرقمي الكامل في الصحافة الإماراتية، وهذه فرصة لاختبار إمكانات الصحف في إنجاز محتوى رقمي متميز، وتوزيعه وتسويقه، ضمن متطلبات الصناعة، ولعل ذلك يتيح لنا مزيداً من اكتشاف آفاق جديدة، وصقل أدوات ضرورية في دورة إنتاج جديدة، تساعدنا في سنوات مقبلة، ستتوقف فيها المطابع، لا محالة.
في «الاتحاد»، يهمنا أولاً أن نتجاوب ونتكيف مع الخطة الوطنية لمكافحة الوباء، ثم أن نسختنا الورقية ستكون متاحة بالكامل على موقع الصحيفة، وسنوفرها لقرائنا على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. ستصلهم عبر تطبيق «واتساب» والبريد الشخصي، فيما نواصل تحديث الأخبار التفاعلية وإنتاج الفيديو وإتاحتها على مختلف المنصات، وفي الوقت نفسه سنزيد مساحة البث المباشر للأخبار، بالوسائل الرقمية المتاحة.