غالباً، يبتعد النقاش الإعلامي العربي عن الشؤون الرئيسية في المهنة والقطاع، ويقترب من العناوين الثانوية، ذلك أنها في العموميات، وغير خلافية، ولا تثير الحساسيات العربية التقليدية، ولا تتطلب هوامش للإفصاح عن المعلومات المتداولة والمعروفة، عن واقع الإعلام العربي، ومحتواه، واحترافيته، وخطابه، وما إلى ذلك من مفاصل، نتجنبها، لئلا نقع في محاذير مختلفة، أكثرها سوءاً المحاذير التي نصنعها نحن الذين نعمل في هذه المهنة.
في مثل هذا المناخ، تكون الأولوية، مثلاً، لإعادة النقاش المكرر حول تكاسر مفترض بين الإعلام المطبوع، والوسائل الرقمية، أو للتأكيد على أهمية انضباط الصحفيين بأصول المهنة وقواعدها، وليس إثارة الجدل حول موقع الإعلام العربي على خريطة التأثير الثقافي والاجتماعي في العالم. لم نسأل يوماً عن الفوارق بين واقع إعلامنا العربي، ومثيله في أميركا وبريطانيا وأوروبا، قبل أن نفكر في المستقبل، ولم نتحرك للتعامل مع الأرقام الدولية النزيهة عن مصداقية الإعلام العربي، بين العرب أنفسهم، بل إن الصحافة العربية أيضاً تتكتم على كل التقارير الدولية السنوية عن راهن الإعلام العربي، لاعتبارات تتعلق بالعلاقات بين الدول.
المطلوب تجديد النقاش عنواناً وتفصيلاً. ففي عام مضى، شهدت حركة الاعتدال العربية نشاطاً لافتاً. جهدت المؤسسات العلمية الوازنة على نشر خطاب عقلاني شجاع، يحتوي توحش الإرهاب، والارتداد إلى التعصب والتشدد. عاشت مصر تجدداً في عافيتها الوطنية، بتوحّد الموقف والمشاعر بين الأزهر الشريف والكنيسة القبطية. سجلت الإمارات حدثاً تاريخياً بلقاء بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر في أبوظبي، وتوقيعهما وثيقة «الأخوة الإنسانية».
كنّا جميعاً كعرب منهمكين في تبديد اليأس بعد سنوات «الربيع» الدامية، ولذلك نريد كإعلاميين أن نستقصي هذا الأثر الآن. كم نجحنا، وأين أخفقنا، وما الذي يعترض طريقنا لنصل إلى التأثير والعالمية، وكيف يمكن الموازنة بين الاحتراف في العمل الإعلامي، والقوانين والاعتبارات الرسمية العربية، وفِي الخلفية احتياجات القراء الجدد.
ولا ننسى أن الدول العربية التي تصدت لفوضى السنوات القاتمة، وحصّنت مجتمعاتها من التطرّف والغلو، خرجت أكثر قوة من المحنة، ومن المهم أن تستثمر هذه القوة في التحول نحو سياسة إعلامية مغايرة لكل ما مضى، وبهوامش تعبيرية مختلفة، فنحن لا نختلف على الثوابت والمصالح الوطنية لأي دولة، غير أننا نختلف على السياسة المطلوبة للتعامل مع المرحلة الجديدة.
الإعلام العربي في غالبه رسمي، وعلى مَن يريد ملاحظة تأثيره في مجتمعاته المحلية، أن يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ويرى كيف يقرأ العرب الأخبار تبعاً لسياسة الدولة التي تصدر فيها الصحيفة، أو تبث منها القناة، ثم يبحث عن الخبر في وسيلة إعلام أجنبية، وذلك ينسحب على كثير من المحتوى، فأقله أن نتحاور في شؤوننا الملحّة، بواقعية وإيجابية وتطلع نحو الأفضل.