ليس أشد سهولة من صنع الأعداء، فقط كل ما عليك فعله هو ترك لسانك يعبّر عن كل ما يخطر على بالك من أفكار على شكل كلمات، لا تحاول أبداً أن تتخيرها. وتأتي المرحلة التالية في تحريك كل الحواس لانتقاء السيئ وإبراز القبيح، بينما على العكس تماماً في حالة صنع الأحباء، فالأمر يحتاج إلى تفكير مطوّل قبل ترك العنان للسان في التفوّه بكلمات انتُقيت بحرص، كذلك للحواس في التقاط الجميل وفعل الرائع. يبدو الفارق واضحاً تماماً، وللإنسان منا خياره في أي الصنفين يريد حوله؛ وأيهما يحقق بالفعل مصالحه!

راودتني هذه الفكرة خلال متابعتي بعض الحسابات المستفزة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي؛ وتأملت بحزن شديد سعي الكثيرين لصنع أعداء، بل والتفنن في ذلك وبوعي كامل بمقاصد هذا التصرف، وهو ما تؤكده الحيثية العلمية والاجتماعية لهم، وسعيهم الممنهج لتأجيج أطروحاتهم وإضرام نار الكره في صدور آخرين ليسوا معنيين -في حالات كثيرة- بالأمر لاستثارتهم واستفزازهم، فيتحولوا بعد ذلك من مفعول بهم إلى فاعلين يجيدون بدورهم، فيما بعد، فعل جلب الأعداء!

تصبح هذه الأفعال مخيفة بشكل لا متناهٍ باتساع الفضاء المفتوح المساعد لتطاير شررها المُعدي، فتنتشر ثقافة الكره والفتنة بكل مظاهرها، من تشنج في السلوك اللفظي والحركي من دون أي داعٍ حقيقي لها، تتحول بعدها تداعيات هذه الأفعال إلى عبء ملوث تتوارثه الأجيال يصعب بل قد يستحيل تغييره.

بالفعل ليس هناك أسهل من صنع الأعداء، في حين يبدو تغيير ذلك أمراً صعباً خاصة على المدى المنظور، فما بالك بتحويل هؤلاء الأعداء إلى أحباء وأصدقاء كما كانوا فيما قبل. وسواء كان سلوك صنّاع الكراهية هؤلاء يقومون به عن قصد أم بغيره، علينا أن نواجه طرحهم بدرجة كبيرة من الوعي، لكي لا نصبح مع الوقت أداة لهم.