إلى مزيد من الخسارات، يتجه رجب طيب أردوغان، وهذه المرة بعد ساعات من وصول جنوده إلى ليبيا، في مغامرة خارج الحدود، عنوانها التقدير الخاطئ لإرادة الشعب الليبي، وجيشه الوطني، وأول تفاصيلها جثامين جنود أتراك، زجهم في معركة، تتجاهل أبجديات قراءة المصلحة في بعدها الداخلي، ثم في الجوار والإقليم، وهذا شأن كل المعارك حين يكون العبث جوهرها.
سؤال المصلحة يؤرق القوى السياسية المعارضة في تركيا، وتفويض البرلمان بإرسال قوات إلى ليبيا لدعم الميليشيات الإرهابية في حربها على الجيش الوطني، أنجزته توازنات حزبية، لن يأبه لها الأتراك، وهم يستقبلون جثامين أبنائهم، كما لن يأبهوا لاتفاقيات أردوغان مع حكومة فايز السراج، ولا للغاز الليبي الذي يحلم به.
سؤال المصلحة نفسه، أغلق الباب أمام أردوغان أيضاً باستمالة الجوار الليبي، فلا الجزائر ولا تونس مستعدة لهذه النقلات السريعة على رقعة الشطرنج التي يدفع بها «السلطان» الجنود إلى موت محقق، فمن عجز عن قراءة تاريخ الشعب الليبي في مقاومة الاحتلال، سيسقط في كل اختبار قادم، ولن يجد غازاً قابلاً للاشتعال إلا في بيته، وكما قال الشاعر العربي «رب امرئ حتفه في ما تمناه».
أما المنطقة، فلم تكن تحتاج فائضاً من السفن الحربية، وأحلام الهيمنة والاستعلاء، ولا إلى تجاذبات مراكز الدعاية فيها. هناك جيش وطني ليبي، يخوض حرباً دفاعية، للمحافظة على تراب بلاده من دمامل القوى الإرهابية المنتشرة والمتكاثرة. وهناك حكومة لا تريد لهذا الجيش أن ينهض بواجبه، كما تقتضي المصلحة الوطنية، فتستدعي قوات تدخل تركية، مقابل فتح الأراضي الليبية لإنقاذ أردوغان من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وتثبيت وجوده في أرض عربية.
نعم، الصورة يزيدها وضوحاً أن المشير خليفة حفتر، ومنذ اليوم الأول لانضمام الليبيين إلى قيادته، يتلقى دعماً عربياً، في إطار غاية محددة، وبأجندة دقيقة، للقضاء على الميليشيات المتطرفة والإرهابية، وإعادة الأمن، وإنضاج عملية سياسية، عصية على محاولات الاختطاف، كما حدث في مصر واليمن، والنتيجة أن «حكومة الوفاق» استعانت بالأجنبي على الليبي، وأدارت ظهرها للعرب، ونأمل ألا تقع أخطاء أخرى، لأن الواقع كشف سريعاً انحراف بوصلة فايز السراج، مع بالغ الأسف، عند وصول أول عسكري تركي إلى ليبيا.
لم تقف دولة عربية واحدة ضد حكومة الوفاق، عند تشكلها، والتف الجميع حول شرعيتها، ودعم المسار السياسي فيها، والخلاف اليوم يتمركز حول وقوفها في خندقين معاديين للشعب الليبي، خندق الإرهاب، وخندق أردوغان، وسماحها لجنرالات أنقرة باختبار قدراتهم العسكرية، ضد ليبيين تطوعوا في جيشهم الوطني، للدفاع عن الأرض والناس والمقدرات، لكن الشرعية ليست شيكاً على بياض، ومن حق أي ليبي أن يتساءل عنها، حين يرى «حكومته» تضع حماية الجماعات المتطرفة في رأس أولوياتها!.
عقدة أردوغان، لا حل لها في ليبيا، ومعركة جنوده ليست مع الجيش الوطني فقط، والأيام حبلى بأحداث، ستجعل كثيرين يفيقون من أوهامهم، ويحصون خسائرهم، وما أكثرها.