أسدل برنامج «أمير الشعراء» الستارة على دورته الثامنة، ولكنه أبقى باب بيت الشعر مشرعاً أمام أصحاب المواهب الجادة، والأصوات الشعرية المتميزة، على اتساع أرض الضاد وتحت سمائها الرحبة.
خلال ثمانية مواسم، استطاع هذا البرنامج السبّاق من نوعه في العالم العربي، أن يضيف إلى الخارطة الشعرية أسماء لامعة، تمثل مدارس الشعر على تنوعها بين أدنى المشرق وأقاصي المغرب.
كان هذا البرنامج منذ انطلاقته الأولى أكبر من مُنتَجٍ تلفزيوني، وأوسع من مسابقة بين هواة. كان «أمير الشعراء» الصوت المعبر عن مشروع الإمارات الثقافي، والذي تحمل أعباءه مؤسسات أبوظبي الثقافية والإعلامية.
أرادت أبوظبي بهذا البرنامج أن تعيد للأمة، وليس للإمارات فقط، العنصر الأبلغ في ضميرها الجمعي، والذي يمثله الشعر. فبالشعر سجلت الأمة، منذ فجر العروبة، أيامها، وبه علّمت أجيالها، وبمعانيه وقوافيه وبحوره طرّزت أحلامها.
هذا البرنامج الجماهيري الذي تابعه المشاهدون من شواطئ أغادير المغربية إلى خليج العرب، ومن أعالي جبال الشام إلى أقاصي صحارى شمال أفريقيا وصولاً إلى مالي والسنغال، لم يكن مجرد استعادة لعادة عربية قديمة تجلّت في «سوق عكاظ» الذي حفظنا منه قصائد الفطاحل من شعراء العصور الزاهرة.. كان «أمير الشعراء» منصّة أسبوعية يطرح فيها الموهوبون، الذين هم لسان الأمة بحق، قضايا تشغل أجيالنا الحاضرة. فقد استمعنا طيلة أسابيع لكلمات حرّة تراود الأنفس عن انغماساتها، وتبث فيها قبسات تجعلها تتوهج من جديد بعناوين مثل: الوحدة، والحق، والحرية، والتضامن، والأخوة، والتسامح، والعدل. كلها عناوين حملتها قصائد استطاع أعضاء لجنة التحكيم من الأكاديميين والنقّاد المرموقين أن يقدموا بيانها لجمهور ذوّاق ومتفاعل.
لقد استطاع «أمير الشعراء»، الذي كان فكرة إماراتية ذات غايات عربية شاملة، أن يؤكد أن الرقيّ ما زال متقدماً على الإسفاف، وأن مقولة إن الجمهور في حالة انسلاخ واستلاب أبعدته عن جوهره هي خاطئة تماماً.
لقد راجت في العقود الأخيرة نظريات كثيرة عن «موت الشعر»، والمقصود بها أولاً وأخيراً موت الشعر العربي، لكن هذا البرنامج الذي أطلقته الإمارات، واحتضنته إعلامياً ومادياً أثبت أن الشعر لا يموت ما دامت الصدور عامرة به، والقرائح تنضح بأبياته.
عشرات الأسماء مرّت على «أمير الشعراء»، وصعد من بينها رجال ونساء، وعرب وأعاجم، وشبّان وكهول، أرادوا جميعاً أن يقولوا من أبوظبي، وبلسانها: بالشعر نتجلى، وتصبح أرواحنا أجلى.