كنت في زيارة ودية لإحدى الصديقات عندما دخل علينا فتى في مقتبل العمر نقضت له لحية حديثة فتناثرت على ذقنه، وصدر منه صوت أشبه بخوار البعير، إذ لم يكن سلاماً أو كلاماً، بل مزيج من اللغو والضوضاء. أشار الفتى لأمه ليخلو بها ويطلب الدراهم التي ينتظرها أصدقاؤه على الكوفي شوب.
الأم تنظر إلي بحياء وتناديه: سعيد، تعال سلم على خالتك. يتمتم الصبي: سلام عليك خالوه، شحالك! فتقول له قبل أن أرد تحيته: عجب، سلم عليها، حبها على راسها. يلقي الصبي عليها نظرة خارقة كادت تشق المجلس الذي احتوانا إلى قسمين، قسمٌ به آله سحب وجزء به نساء لا يهم الصبي أمرهن.
وعندما اقترب سعيد من مكاني قلت له: مرحبا، مرحبا، وايه مرحبا مليار حيا الله سعيد، حيا الله الريال، شحالك؟ هوى على جبيني وقبله قائلاً: خالوه تولهنا عليك وعلى ريحة دخونك! فقلت له: أثبت لي أنك مشتاق ودعنا نسولف قليلاً، أدري أن ربعك يتريّونك ايْلس شويّة. جلس الصبي على طرف الكرسي الفاره وصار يحدق بي تارة وتارة أخرى ينظر إلى والدته التي ورطته معي قلت له: اسمع يا بني، نحن لن ندوم لكم ولكنّا سنوافيكم بالعناصر التي أورثها لنا الآباء والأجداد وهي أساس للاحترام والسعادة، والتسامح.
أول من يُحترم هم أهل البيت، فالشخص الذي يحترم أهله يتطبع بطباعٍ تشيع وتصبح ضلعاً من أضلاعه. لذا، ولدرء الهوة بين الجيلين، أقر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، منهجاً تعليمياً للتربية الأخلاقية سعياً لتحقيق الهدف المرجو وهو استدامة منظومة «عيال زايد»، وهي شهرة ومجد وفخر وشرف يحصل عليه كل شخص. جلس سعيد وعندما جاءت القهوة هبَّ لصبها وبقي واقفاً بعد فنجان الضيف والكيف، وتشاركنا السيف الذي سنقطع به زمناً يفرق بيننا وبين أبنائنا. نسي سعيد رباعته وجلس معنا حتى صلاة العشاء.
***
للعارفين أقول: رحم الله الشيخ زايد وأبقى قيادتنا الرشيدة التي تسير على خطاه فهو من قال: «إن الحاضر الذي نعيشه الآن على هذه الأرض الطيبة هو انتصار على معاناة الماضي وقسوة ظروفه. إذا ألقينا نظرة على تاريخ أسلافنا الذين حافظوا على هذا الوطن وحموا ترابه فإننا نكتشف أنهم قاموا بهذا العمل الجليل دون أن تكون لديهم إمكانيات.. فقد صابروا وصمدوا وحفظوا هذا الوطن، وعاشوا يصارعون الجفاف والجوع والحاجة والفقر وصبروا حتى أورثونا هذا الوطن».
فلا تقال بعد هذا الكلام كلمة.