انتهى «الربيع الإخواني»، وكل ما تبقى من جيوب مضطربة ليس أكثر من مخابئ آيلة للسقوط، وإن أصاب «وهم الدور» كياناً صغيراً مثل قطر، أو مراكز إقليمية متنافسة، ما تزال ترى في التطرف ورقة قابلة للتداول، والضغط على أمن المجتمعات ومصير شعوبها.
الاستثمار القطري في الفوضى، يتواصل الآن في ليبيا. مثلما كان في سوريا والعراق ومصر والبحرين واليمن. معاقل الإرهاب تتداعى كل يوم. الدول تضمّد جراح السنوات الدامية. بينما تحارب الدوحة وحلفاؤها الإيرانيون والأتراك كل بارقة أمل في المنطقة، وتحلم باستعادة أجواء الأشهر الأولى من 2011.
الصورة الآن أكثر وضوحاً في طرابلس التي يسعى الجيش الوطني الليبي لتحريرها من الاختطاف، وبسط نفوذ الدولة المركزية فيها. ممثلو العصابات الإرهابية من «الإخوان» و«القاعدة»، يجتمعون تنسيقياً في قطر وتركيا، ولا حدود للدعم السياسي والمالي، والميليشيات باتت أكثر يأساً على الأرض. عملية «طوفان الكرامة» تحرز تقدماً ميدانياً كل يوم، ومصممة على استعادة الدولة، وسط انشغال العالم بصكوك دونالد ترامب لإسرائيل.
وضوح الصورة في ليبيا، يقابله غموض وتردد في الموقفين العربي والدولي، تجاه قواعد الدعم والتمويل الخارجي للإرهاب في الدوحة وأنقرة، فما يحدث على الأرض، لا يتطلب مواجهة من نوع «الشعور بالقلق» أو «الاستنكار»، أو الاكتفاء بالدعوة للحل السياسي، فقوات المشير خليفة حفتر، تخوض اليوم معركة ضد أجندات ظلامية شرسة، تسعى منذ تسع سنوات إلى تغيير هوية ليبيا، وعزلها، وتحويلها ملاذاً للإرهابيين الهاربين من جبهات أخرى، وإذا لم يستوعب المجتمع الدولي، والعرب كافة خطورة المعركة، فإن أمام ليبيا وأفريقيا سنوات أخرى من الخسارات والدمار.
محور الاعتدال العربي المناهض للتطرف، يقف مع الجيش الوطني الليبي. لكنّ المطلوب الآن تشكيل ائتلاف، تلعب فيه الدول العربية، خصوصاً الأفريقية، دوراً أساسياً في مساعدة المؤسسة العسكرية الشرعية، من أجل السيطرة الميدانية، والقضاء على العصابات الإرهابية، ويجب ألا يراهن أحد على دور مستقبلي فاعل للولايات المتحدة، فهي تسحب جنودها من ليبيا، في إطار أكثر من انسحاب من المنطقة عموماً.
سياسياً، يجب على المجتمع الدولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، والتكتلات الآسيوية التي تقيم علاقات مع قطر وتركيا مطالبتهما بوقف إسناد الميليشيات المسلحة، وعدم الاعتراف بأية قوة مسلحة في ليبيا، خارج الجيش الوطني، وذلك تحت طائلة مواقف سياسية صارمة، وتحريك هذا الملف في مجلس الأمن الدولي.
الاستثمار في الفوضى في المنطقة، لن يُحوّل الدويلات والكيانات الهامشية إلى مراكز نفوذ وتأثير، لكنه، مع الأسف، يفتك بالشعوب، ويوسّع نطاق الجريمة والخراب، ولذلك، فمن المصلحة أن تكون العين العربية أكثر اتساعاً وحرصاً على ليبيا، من أي وقت مضى.