يقولون إن لغتنا العربية تعاني من إهمال واستسهال، وغرباء يقولون ويولولون، ويضربون الكف بالكف، حسرة على ضياع لغة الضاد على شفاه مرتبكة، تخلط ما بين الملح والسكر، وتريد أن تصنع عصيراً من عنب وحنظل.
يجب ألا نستغرب من عجين الطين والتين، لأن ما يحدث في العالم من لهاث استهلاكي، وركض، ورض، وفض، ومض، وحض، يجعل من الثوابت تذوب في معمعة وخضم، وتمضي الجياد نحو اللامعنى، وتصب مياه الأنهار في اللامعقول.
كل شيء يبدو مثل فوضى النمل، عندما تشعر هذه الكائنات بعصف ريح عاتية، عندما يداهمها خطر المباغتة. لا ينبغي أن نفرق بين حياة الناس في استهلاك ما يستخدمون، وما يلبسون وما يأكلون، وبين الإحساس بقيمة ما ينتجونه، وما يستهلكونه من ثقافة، فكل ما يحيط بالإنسان من متطلبات حياة، بدءاً من الطعام وانتهاءً باللغة، فهي جميعاً ترتبط بالذائقة الشعورية، فعندما لا يهتم الإنسان بما يأكل، ويعتمد على الآخر الذي يحدد له ذائقة الطعام والملبس، فإنه من الطبيعي أن يجد نفسه واقعاً تحت طائلة الاتكالية والاستهلاكية، وهو ما يجعله بلا إرادة الاختيار، فعندما لا يجد الشاب ما يلزمه باحترام الثوابت، فما الذي يرغمه على الالتزام؟
نحن نسينا أشياء كثيرة، وتجاوزناها تحت شعار التطور، ومن هذه الأشياء هي ثقافتنا، وهي لا تستقيم إلا بقوامة اللغة عليها، لأنها هي الوعاء الحامل لهذه الثقافة، وهي النهر الذي يسقي نخيلها ويروي عشبها.
الآن ونحن نمضي بسرعة البرق، باتجاه القماشة المثقوبة بإبر لغات، وأحياناً «رطنات» حادة وسامة، لا ينبغي أن نتباكى على القماشة المثقوبة، وإنما يجب أن نلتفت إلى الإبر، وننقي الثوب من الدنس، وننظف النهر من الطحالب والأعشاب الشائكة، وبعدها تحضر اللغة.
خلاصة الكلام، ضعف اللغة جاء من الهروب من المسؤولية الثقافية والثقافة تشمل كل ما يمت لحياتنا بصلة، ولا تنفصل متطلبات الحياة عن بعضها، لأن الحياة دائرة والثقافة مركزها واللغة محيطها، علينا أن نعيد النظر في علاقتنا بالحياة التي تسرَّبت من بين أصابعنا لأسباب تخص وعينا بأهمية الحياة، وعندما نهتم بالحياة وما تخفيه في حقيبتها، نكون قد أنجزنا مشروعنا الحضاري، مع احترامنا للآخر الذي نريده أن يحترمنا، ونحن نضم حروفنا الهجائية بين جوانحنا من دون نقصان أو نسيان.