تُشرق الشمس على نخيل جوز الهند، ذهبية اللون، صفراء مائلة إلى اللون البرتقالي، تُنير خوص الفارعات الصاعدات إلى السماء، خضراء ومرتوية من المطر الدائم، تبعث ابتسامة واسعة على كل الوجوه، أرض حباها الله بالحب والجمال والروح الودودة، لا تشبه الكثير من البلاد المليئة بالضجر والتوتر والجفاف. أرض تصنع ناسها عشاقاً للحياة. ترويها أنهار كثيرة وأزهار كثيرة حتى في وسط الماء، تجعل الزائر يعود حتماً يتبع خطاه السابقة وليجدد حبه، عشقه، وزمنه إن كان من أولئك المجبولين بحب الشرق وسماء الشرق الممطرة.
هنا تتعلم كيف تحب الشمس والأزهار والناس والأماكن، لا مساحة للمكتئب الراجف والخائف من الوقت.
أرض الابتسامة والحب والجمال وعشق الحياة تقدم دروساً رائعة في فهم الحياة والدنيا، وأن لا تضيع زمنك ووقتك مع الراجفين السوداويين. نعم هنا تردد أغنيتك القديمة «الحياة حلوة بس نفهمها»، بما يزين الأيام والعمر بالفرح والسرور والحبور. جميل أن تعبر نهر بانكوك الكبير بزورق يعبر النهر وترحل معه أينما رحل، وأن تتمتع بوقتك وبالمناظر البديعة التي تعبر معك على امتداد ذلك النهر، وأن تقطف وردة الماء لطائر النهر الأبيض أو حتى لطائر البجع السابح بأمان وسلام، بل حتى أن تتوقف وسط النهر لتطعم الأسماك الطافية بجوارك قطعة خبز وأن تمسح على ظهرها مودعاً ومرتحلاً خلف موجة النهر. كل الأنهار باعثة على الحياة والفرح والجمال والحب، إنها كائن حي دائم الجريان والتجدد ومحفز على أن الحياة يجب أن لا تتوقف عن الجريان وصنع التغيير في كل شيء، النهر يدفعنا إلى الجديد والتجديد ورفض الراكد والجمود. الماء والأنهار هي المعلم الأول نحو النظر إلى البعيد والجري والسير أيضاً إلى البعيد بحراسة الشمس الساطعة.. هنا تتعلم لون الحياة القادمة والمشرقة.
حتى ذلك المغني الأعمى الذي أحرص أن التقيه في شوارع المدينة كل عام ما زال يقطع الطرقات وإن تغيّر طريقه القديم وسط زحام الشارع في أوساط السوق، الآن شاهدته يقطع الطريق الطويل وحده مع عصاه التي تسنده، والمايك الذي يعينه على أن يذهب بأغنيته الجميلة إلى مدى أبعد. كانت تتمسك بكتفه امرأة، وكانت تعينه أو يعينها على ظروف الحياة، سنين كانا يقطعان الطريق سوياً في هذه الرحلة إلى تايلاند ومدينة بانكوك شاهدته وحيداً، يعبر طريقاً طويلاً خارج زحام المدينة، يغني غير مبالٍ بوقته وزمنه، إنه فنان الطريق، ودائماً الطريق يحتاج من يعرف صبره وخطواته البعيدة.