تركيا تحارب «الإرهاب» من داخل الأراضي السورية، وتريد أن تزرع بؤرة أمنها بدءاً من شرق الفرات، وإيران تتطلع إلى تحرير القدس انطلاقاً من الأرض السورية، وإسرائيل تحارب إيران على التراب السوري، وروسيا وأميركا لهما أجندتهما الخاصة، والمعارضة في كل الاتجاهات، والتوجهات.
العرب وحدهم الذين يقفون متفرجين على المشهد، وينظرون إلى الواقع السوري على أنه بقعة تبعد عن كل العواصم العربية، ويطبقون مبدأ «إذا سلمت أنا وناقتي، ما علي من رباعتي» ومن جنوب البحر المتوسط، حتى الخليج العربي، العالم كله على بعضه، يحارب، ويضارب، ويسرب، ويخرب، ويجرب ما لديه قوة، ولم يجد مكاناً يسهل له هذه التجارب، إلا هذا الميدان الواسع في التضاريس الممهدة بكل أسباب الحروب العبثية.
تركيا لم تتورع في أن تضرب كل التهديدات الأميركية عرض الحائط، وتعقد صفقات الأسلحة مع روسيا، ولم تتردد في نشر قواتها في عفرين السورية، رغم الوعيد الأميركي، وها هي اليوم تعد العدة لنشر القوة الصارمة في شرق الفرات، بذريعة لا تخفي الخديعة، ولكن العالم لم يزل يتفرج، ويكتفي بالدهشة أمام هذه العنتريات التي تعبر عن بروز دول في المنطقة، خرجت عن الطوق، وطرقت أبواب مجدها الوهمي، على حساب سيادة دول، لم يعد لها من سيادة سوى سيادة البكاء على اللبن المسكوب، والحق المنهوب، والشرف المسلوب.
ماذا سيضير تركيا لو اقتحمت شرق الفرات وصالت، وجالت، فلا أحد يرى، ولا أحد يسمع، لأنَّ في أجواء سوريا غيوم قاتمة، ودخان الصمت أكبر من أي كذبة تطلقها سوريا حيال هذه الهجمة البربرية.
أردوغان يتحدَّث عن حملته على شرق الفرات، وكأنه يتحدث عن غزوة من غزوات المسلمين، أيام ما كان للمسلمين وقار وشيمة.
أردوغان يتحدَّث عن فعلته المشينة هذه بكل صلف، وعجرفة وفوقية، لأنه أمن العقوبة، ومن يأمن العقوبة، لا ينزل إلى الأرض، مهما بلغ من ضعف في الداخل، والخارج.
أردوغان كشبيهه خامنئي، يطلق التصريحات، وهو ممسك على خشب الكبرياء المزعوم، والمدعوم من قبل تاريخ وهمي لم تحطمه حقائق الواقع، لأنَّ الواقع ما زال مأزوماً بضعف العرب، وكذب الآخرين، فمن ذا الذي سيحطم أسوار كذب أردوغان، ومن سيفشل ادعاءاته؟ سيستمر هذا التضليل، إلى أن تؤذن الحقيقية في الأسماع، ويقول أردوغان وغيره إن الله حق، ويكف عن غلوائه، ويتوقف عن اللعب بالأوراق السورية لحساب أوضاعه الداخلية.