تدفقت مشاعر التعاطف والتضامن مع فرنسا من شتى بقاع الأرض في أعقاب الحريق الهائل الذي أتى على معظم كاتدارئية نوتردام التاريخية أيقونة العاصمة، والتي يعود بناؤها لأكثر من سبعة قرون، وتضم كنوزاً من روائع فنية نفيسة.
تعاطف الجميع بحجم الحدث الذي اجتاح تلك البقعة من عاصمة النور المدرجة ضمن التراث الإنساني العالمي، حزناً على خسارة معلم يفد إليه سنوياً نحو 14 مليون سائح. خلده فيكتور هوجو في رائعته «أحدب نوتردام»، وارتبطت في ذاكرتنا بالأحدب وازميرالدا لنبحث عنهما في دهاليز المكان كلما سنحت الظروف بزيارة ذلك الجزء التاريخي من باريس التي لاتنام، وتبهرنا بمعالمها الآسرة لزوارها من مختلف أنحاء العالم.
كارثة الحريق الذي التهم تلك الدرة الفنية والتحفة المعمارية ذكرت الجميع بمسؤولياته للحفاظ على الكنوز التاريخية باعتبارها ملكاً للإنسانية وضرورة صونها لتظل باقية حية للأجيال تروي مآثر فريدة عن عظمة العقل البشري وإبداعاته، وهي تبني جسوراً ممتدة بين حضارات البشر وثقافات الشعوب التي صنعت منارات حضارية ظلت شامخة تروي للعالم قصص ازدهار المجتمعات المستقرة عندما تنعم بالسلام والتسامح وحسن التعايش، وتزدهر فيها العلوم والثقافة والفنون.
التعاطف والتضامن الواسع مع فرنسا عبر عن اعتزاز الإنسانية بقيم رفيعة تجمعها على الخير والمحبة والسلام وتقدير عطاءات وإبداعات العقول، وفوق ذلك القواسم المشتركة بين الشعوب والثقافات والحضارات.
وقبل أن تخمد النيران التي أتت على الكاتدرائية كانت التبرعات تنهال حتى بلغت نحو ثمانمائة مليون يورو في أقل من 48 ساعة، إلى جانب عروض المساهمة العملية في عمليات إعادة البناء.
نعتز أن بلادنا كانت في مقدمة البلدان التي وقفت إلى جانب فرنسا في تلك الساعات العصيبة، منطلقة من قيم إماراتية أصيلة، سجلت مساهمات متميزة في صون التراث الإنساني، في مقدمتها إعادة بناء إعمار الجامع النوري ومئذنته الحدباء في الموصل بعدما فجره إرهابيو «داعش». وقبل ذلك امتدت الأيادي الإماراتية لإعادة ترميم كنوز مكتبة تمبكتو التي نسفها إرهابيو مالي.
مواقف تعبر عن إرث إماراتي أصيل ينطلق من قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر واحترام الثقافات والحضارات، مواقف تتماهى وتتفاعل مع اعتزاز البشرية بكنوزها الأثرية والحضارية والقواسم المشتركة بينها وتوحد صفوفها في وجه أعداء الحياة والنور، الذين يحقدون على كل جميل في حياتنا ونور الإبداعات الأصيلة للحضارات الإنسانية.