في زمان الطيبين كنا ننتظر الجدة سعيدة والخالة سلامة لنرى من منهما أسرع في خياطة «الخريطة» أي الكيس الذي سيحمل في ثناياه السكاكر والزبيب والمكسرات. لم يكن الكيس كبيراً أو صغيراً بل كان متناسب الحجم وقد صُمِمَ بحرفية وذكاء يتناسب مع قدرِ وعطاء أهل العزم. في الوقت نفسه كُنا أطفالاً قنوعين بما يطال أيدينا قليلاً كان ذلك أو شحيحاً. في السكة ينتظرنا لفيفٌ من الأصدقاء، وعندما تكون السكة خالية منهم نُغني بصوتٍ عالٍ لجذب الانتباه فيتكون فيلق من جنود الضوضاء نردد أهازيج حفظناها وملأت كلماتها وألحانها الصدور. من بيتٍ إلى آخر تتسابق الأرجل وتتدلى أكياس ملأتها أياد رحيمة باللوز والزبيب والملبَّس وغيرها مما توافر. هناك بيوت يطلب منا سكانها الجلوس لتناول الطعام وأخرى تُعطينا أربع آنات أو نص روبية وهناك بيوتٌ يُحضر أهلها حلويات قد لا تنُصيب ذوقنا فيتغير مسار الليلة والأهازيج لنغني لهم «جدام بيتكم طاسة... أو جدام بيتكم ملة»، كما ننشر في السكيك خبر ذلك فيتفادى الآخرون تضييع وقتهم بزيارة هؤلاء.
في ليلة النصف من شعبان كنا نسمع دوماً عبارات «ساير أمشي على فلان» وعبارة «طاح الحطب» و«سامحونا» و«مسموحين دنيا وآخره». هذا ما ألفناه ونشأنا عليه حتى جاء سهمٌ فشق السماء نوراً فاتحد الجميع على الخير وفعله فولدت بذلك منظومة سامية متكاملة تُسمى «عيال زايد»، وهي مجموعة من القيم والمبادئ التي تنادي بالإنسانية والآدمية، وهي قيمٌ تميز الإمارات وشعبها من مواطنين ووافدين عن غيرهم بلا منازع. مبادرات الدولة في خلق أجواء إيجابية وبيئات عمل تحتوي الآخر وقوة ناعمة تنشر المودة والتراحم والإخاء لم تأت من فراغ، فهي معتمدة على موروث ثابت وممارسات مستدامة، لاسيما عندما نسمع المقولات الخالدة للمؤسس الشيخ زايد - طيب الله ثراه - بأن «التسامح واجب، لأن الإنسان إنسان في المقام الأول، خلقه الله إن كان مسلماً أو غير مسلم»، وكما يقول الأولون «كلمة عن ألف كلمة».
***
للعارفين أقول، القيادة الرشيدة في سياساتها الحكيمة بدأت بإستراتيجيات ومبادرات سامية عززت الهوية الوطنية في إحدى السنوات، وفيما تلاها جاء عام القراءة لينفتح الفكر وتتسع الآفاق لفهم العالم ومدارات الحوار المفتوح في الفكر والإبداع ثم «عام الخير» و«عام زايد» و«عام التسامح»... دولة الإمارات العربية المتحدة وطنٌ يحقق للفرد طموحاته ويرسم للعالم خريطة طريق تنبذ العنصرية والتطرف والعنف وتدعو إلى الصفاء والنقاء والعطاء. بفضل ذلك، انتقل موروث «حق الليلة» من الفريج إلى المؤسسات وقريباً إلى العالمية.