بعد زمن من العمل الدؤوب، الذي قامت به القيادة الرشيدة، سوف نذهب إلى العالم ونحن ممتلؤون بالأحلام الزاهية، مرتوية من نهر وعي لم يكل ولم يمل من بث الأريج في أثير العالم، متكئاً على أريكة تراث عريق، شيمته التواصل من غير شروط، كما هي الوردة التي تعبق ثياب العالم بعطر، نذهب إلى العالم، وقلوبنا أنهار تفيض بالعذوبة، وتزخر بالصفاء.
تقول الفلسفة «ازرع الأفكار تحصد الأفعال، وازرع الأفعال تحصد المصير، وازرع المصير، تحصد الشخصية، وازرع لا شيء، تحصد الحب»، الأفكار هي التي تقود الإنسان إلى التردد، ووضع المحددات بين الناس، وعندما تتخلص من سموم الأفكار تكون أكثر وعياً بقيمة ما يحيطك، تكون أكثر اتساعاً في التواصل مع الآخر.
علّمتنا الصحراء بأن نكون في صلب الصفاء، علّمنا البحر بأن نكون في لُب النقاء، ونحن هكذا نمضي من دون قلق، ومن دون رتق، نكون في الكون شفقاً يتشقشق ضوءاً، ونعتنق الحب عقيدة وحياة، لا نتوقف عند الصخور الوعرة، لا نتعثر، ولا نتبعثر، ولا نتخثر، نحن هكذا تعلمنا من زايد الخير، طيب الله ثراه، أن نكون عناقيد نخل، ترخي السجايا مزملات بالشفافية، ونمضي وطريق السعادة مؤثثاً بثنايا فائضات بالحب، ناهلات من إرث قويم، سائرات مع النجوم، حيث تصفو السماء، وتبتهل الأرض، وتحتفي بمن يمشون على الأرض هوناً، ويكتبون في سجل التاريخ عن وطن حباه الله بشعب خصاله من در ومن زهر، ومن عبق ونسق، مثلما هي خيوط الشمس، وأهداب النواعس الكواعب.
نتسامح ولا نتهاون، نتسامح ولا نهادن، نتسامح ولا نغمض عن كيد أو غدر، نتسامح ونملأ الكون شرشفاً من فرح، نتسامح ونختزل الوصول إلى الآخر بقاطرة الصفح الجميل، وخطابنا هديل لا عويل، وكلمتنا بوح السلسبيل، نتسامح لأننا ننتمي إلى قوة الإرادة وعزيمة النبلاء، نتسامح وحلمنا سجادة من حرير، منقوشة ببوح الذي أسس معنانا، وبنى وجودنا على هذه الأرض، من صين النجابة ونبل الأصفياء، ومنحنا الرأي في الحياة، والرؤية في الوجود من دون تكلف، أو تزلف أو شظف، زايد النهر، وصخرة الصبر، طيب الله ثراه وأسكنه جنات الخلد.
نتسامح لأننا في التسامح نكمل الدائرة، ونطوق صحراءنا بنخلة العطاء، وغافة النهار المؤدلج بظل وجلال.