يقضي بعض الموظفين عمرهم العملي في حساب الساعات، وتعداد أيام البقاء في مكاتب الوظيفة.
هؤلاء مهمومون بالوقت، مأزومون بالزمن، مكتظون بنهار يمضي بهم تحت سقف مكتب ازدحم بالأوراق، وكتل الملفات التي لا نهاية لأكوامها. ينزعج هؤلاء الموظفون عندما يرتقي زملاؤهم سلم الوظيفة بسهولة ويسر، بينما يقف هؤلاء عند حافة درجة وظيفية، لا تريد أن تتزحزح قيد أنملة.
يقول هؤلاء بحسرة، وضنك، نحن مظلومون، ولم نجد التقدير الصحيح، فنحن تقضي حياتنا اليومية في مكان العمل، ولم نغب يوماً، أو حتى نأخذ إجازة مرضية، ومع ذلك فأن جهة العمل لم تأخذ هذا الجهد بعين الاعتبار.
ولكن لو أجرينا مسحاً، وأخذنا جولة في كثير من جهات العمل في المؤسسات، والدوائر، سنجد هذا الموظف «المظلوم» الساخط، والناقم، والمتفاقم قنوطاً وإحباطاً، يعيش يومه الوظيفي، في الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر، يبحث في جوجل عن محال بيع الأحذية الراقية، أو أماكن التنزهات التي تتوفر بأسعار زهيدة.
سنجد هذا الموظف يلف جسده بين مكاتب الزملاء مثل ذبابة حائرة، يبحث عن الأخبار، وما يجري في كواليس الجهة التي يعمل بها.
سنجد هذا الشخص يملك مخزوناً وافراً من المعلومات عن الأحداث اليومية، وكل ما يجري في الساحة العالمية، من مشاهد هزلية، يلقيها على سامعيه، بلغة مسرحية مثيرة للضحك.
سنجد هذا الشخص الساعاتي، يهدر وقتاً ثميناً من يومه العملي في سرد الحكايات عن علاقته بأسرته، وأصدقائه، وجيرانه الذين يشكلون هاجساً مهماً في حياته.
ثمان ساعات عمل في اليوم، هي مجرد زمن ضائع وبلا هوية، ثمان ساعات، تجري على لسان الموظف مثل جريان الماء في الصحراء، لا قيمة له، لأنه لا يذهب إلى الأشجار التي تستحقه، وإنما يتسرب في الرمل، ليصبح بعد حين بخاراً يتلقفه الفراغ اللانهائي.
ثمان ساعات لا يحصد منها وظيفياً أكثر من نصف الوقت، وهذا في أقصى حالات الإخلاص، والصدق في العمل إن حصل، وإن اجتهد الموظف «الحكواتي». وقد أكدت الدراسات النفسية، أنه ما من شخص يستطيع أن يقضي أكثر من خمس ساعات عمل متواصلة، ليحقق إنجازاً ذات قيمة عملية.
هكذا هو العقل البشري، لديه طاقة، والطاقة لا تحتمل المضاعفات الزمنية، وإذا ما تجاوز الفرد هذه الساعات الخمس، فإنه يذهب بالطاقة إلى ماء البحر البحر الذي يجرف كل ما لدى الشخص من علامات النجاح.