عندما تغضب، شيء ما يحدث في عالمك الداخلي، شيء ما يزورك، شكل ما مبهم لا تعرف أنت من هو هذا الزائر، لكنك تتبعه، مثل الأعمى خلف العصا. في هذه اللحظة الحاسمة، تكون أنت مثل النائم يسحبه حلم مزعج إلى الحفرة السوداء.

في هذه الحفرة، يتخلَّى عنك عقلك، يجعلك تتخبّط في المكان الدامس، وسوف تتعثر كثيراً، ويصيبك الدوار، وتخسر الكثير من السوائل في جسدك، وسوف تنشف شفتاك، وتزوغ عيناك، وترتجف يداك، ولو حاول أحد أن يعيدك إلى صوابك فسوف تشعر بالإهانة، وستنهره، وتشوح بيديك يمنة ويسرة، لأنك في هذه اللحظة تكون الأنا قد انتفخت مثل البالون، ومستعدة أن تنفجر في وجه أي إنسان يعترض طريقها، وهي ذاهبة إلى موقد النار.
عندما تغضب، تكون أنت على لسان اللهيب، فلا تريد أن يقترب منك أحد، ولا تريد من يصوبك، فالأنا اتخذت قرارها، وهي لا تقبل إشارات التجميل، ولا المحسنات البديعية التي قد يلقيها عليك، من يريد أن يذهب بك إلى الماء، كي يُطفئ الحريق، بل إن قطرة الماء الملقاة على الحريق قد تزيد من ألسنة اللهب.
قد يستغرب الآخرون، كيف أصبح هذا العاقل المتزن في موطن نزلاء المصحات النفسية؟ الأمر في الحقيقة لا يحتاج إلى تحليل، أو تأويل هو هكذا العقل عندما يقع في الهوة السوداء، فإنه يتحول إلى قطعة فحم، لا جدوى من إعادتها إلى حالتها الطبيعية، فالفحمة، لن تصبح غصناً أخضر، يرفرف بوريقاته الهفهافة، إنه تحول، ولن يستعيد عافيته، لأن الأنا من طبيعتها، لا تعيد الأشياء التي تسرقها، لأصحابها، الأنا أعظم لص في العالم، كما أنه أفظع محتال وكذاب، ولئيم، وأثيم، ومشاء بنميم. لا يشكم غضبه، إلا من تحرر من الأنوية البغيضة، ولا يستعيد عقله ساعة الغضب، إلا من انتصر على الأنا، ووضعها قيد الإقامة الجبرية، وتخلص من شحناتها العدوانية. فليست المشاكل التي تجلب الغضب، ولا الآخرون، بل نحن الذين نرزح تحت وطأة الأنا اللئيمة التي تصور خلافنا مع الآخر، عدواناً على سيادتنا الذاتية.
فقد تشن حروب، وقد تخرب بيوت وقد تدمر علاقات إنسانية، وقد نحرم من أبناءنا، وزوجاتنا، وأهلنا، بسبب هذه الأنا المخاتلة التي تجعلنا وحوشاً، ساعة حدوث خلاف على موضوع ما، أو تعرضنا لمشكلة، أو تعرقلنا ولو بحصاة صغيرة.