على مكان تدب فيه الفوضى والعشوائية؛ كرفانات فوق بعضها بعضاً، حركة صاخبة، طائرة من دون طيار تقوم بتوصيل البيتزا لأحد السكان، ضجيج تحدثه حركة البشر والإلكترونيات، تطل كاميرا المخرج ستيفن سبيلبرغ محتوية مشهداً يوحي بالفوضى العارمة ضمن حياة غير مستقرة أو آمنة. وسط كل هذا الذي تنقله لنا الكاميرا مع حركة شاب وهو يغادر منزله الواقع أعلى عمود من الكرفانات الهرمة، وهو يعدو نحو مقبرة السيارات، لينسل بينها داخلاً إلى مغارة، يخبئ فيها شاشة يضعها على عينيه، فتنقله من واقعه المتهالك إلى واقع آخر، حيث الواحة الافتراضية.. لتنطلق بعدها أحداث فيلم سبيلبرغ الجديد «ready player one». الزمان المتخيل للفيلم هو بعد 27 عاماً من الآن، أي في عام 2045، ويقدم سيطرة العالم الافتراضي على الواقع من خلال انغماس جيل الشباب فيه، عبر شاشة توضع على العين يشاهد الأشخاص من خلالها لعبة تصير لهم فيها ذات افتراضية، أو بالأحرى شخصية ثانية يصارعون بها من أجل الحصول على ثلاثة مفاتيح تفتح كنز اللعبة، ليتأهل الفائز بعد ذلك في الواقع المعاش للحصول على الشركة الُمخترعة للعبة حسب مصممها الذي أوصى بذلك قبل موته. كل ذلك يديره سبيلبرغ بخيال عالٍ فيه الكثير من الإبهار، ويتحول داخله الصراع بين الخير والشر مسرحاً يمكن فيه مشاهدة، مدى الانغماس الذي ستحدثه الإلكترونيات في حياتنا، ونتخيّل ما سيؤول إليه البشر من خلل كبير في منظومة التفريق بين الواقع الفعلي والواقع الافتراضي، حيث نرى الناس في الواقع وهم في أوضاع مختلفة بين إيماءات الركض والرقص والاشتباك، والكلام الذي لا يدرك معناه إلا من هم منغمسون في اللعبة. في اللحظة التي نرى فيها اتساع رقعة العالم الافتراضي في حياتنا (حتى الآن 2018) ودخوله مجالات عديدة مثل التعليم والأعمال؛ لا يمكننا توقع ما سيؤدي إليه الانخراط في تكريس العالم الموازي أو العالم البديل أو الثاني خلال العقود المقبلة؛ كما أننا لا يمكن أن نوقف الإبحار في فضاء الإنترنت الشاسع، وإنجازاته العظيمة على الصعيد الطبي والعلمي والثقافي والتواصل الإنساني. ولكن نتساءل مع سبيلبرغ وغيره الكثيرين من علماء ومفكرين: إلى أين يمكن أن يفضي بنا هذا العالم الإلكتروني؟ وهل فعلاً نحن قادرون على وقف استخدامه بأهداف الربح بالاحتيال والابتزاز؟ مدى قدرتنا على التصدي لقوى الشر التي تعمل من أجل السيطرة على العالم تحت مسميات وذرائع عدة تؤدي إلى المزيد من المصائب؟ إلى أي مدى يمكننا فعلاً أن نُسيّر كل الفضاء الإلكتروني والإنترنت لصالح البشرية من دون أن ندمر الكثير من واقعنا وإنسانيتنا في هذا الدرب الطويل واللانهائي من حياتنا؟