يحدث أن تجرك الأيام في تعرجاتها وانعطافاتها الغريبة أحياناً والمألوفة في أحيان أخرى، لتكتشف عجائب النفس وتبدلاتها بين القوة والضعف، بين القدرة واللاقدرة، بين أن تكون الحياة في يدك أو في مهب الريح، حيث تعتقد أن حياتك أُهدرت كلها في اللاجدوى، ضاع الشباب في مغامرات فاشلة، وأنهكت الروح من الجراح والآلام، لا تدري بعد تهاوي السنين على سطح الخيبة أن الشيب سيغفر لك ويجد الأسباب والأعذار ليخرجك من قسوة الندم الذي ينهش قلبك، يطبطب على عمرك كله ويدعك تنام نومتك الأخيرة مستريح البال.
أو تظن أنك حققت أهدافك كلها، بنيت القوة في درب سنينك وأنك فوق الفشل، أنك تجاوزت صراع النفس وشكوك الوجود المربكة، أنك تنام قرير العين غير مكترث لكم الآلام التي أحدثتها للغير، للفزع الذي نثرته في درب الآخرين ومضيت.
في هذا التدحرج الرهيب من على هضبة الحياة، تمر كل تلك الأمور، حيث تخرج القوة من الضعف ويخرج الضعف من القوة، حين تتهاوى عروش الزمن ولا يبقى منك سوى الوقوف مباشرة أمام لحظتك الأخيرة، لحظة حياتك كلها، لتدع كل قوتك تنهار، كل ثقتك بنفسك تتداعى لتواجه انهيارك الكبير وضعفك أمام نفسك التي ظننت أنها قوية إلى حد مذهل، تتهاوى لتصفو، تتهاوى لتدرك مدى اللاشيء، ولا حتى عظمة وجودك في هذا الاتساع الجبار للكون.
تجد نفسك في اللحظة اللامرئية بين القوة والضعف تتجلى ثباتاً، وعزيمة تلوي الحديد في وجودك الأخير، وجودك حين يكون أمام العدم، تنهض تلك القوة الجبارة التي تمتزج في ضعف القوة وقوة الضعف، لتضع على السطر كلاماً جديداً وخطوة لا تتعثر في الرقص، لا يرتجف قلبك، ولا تتوه شعرية النص الموغل في الأزمان، الحروف تموج مع الماء، وفي المستقبل، تحدق بنظرة عميقة، حيث تنتابك القدرة على أن تطير.. فتطير.