تزخر دولة الإمارات بمئات المعالم والمواقع الأثرية والحضارية منذ عصر الإنسان الأول، مروراً بالعصر القديم وانتهاءً بالعصر الإسلامي، تشهد هذه المواقع على الحضارات التي مرت هنا، وتدلل على عراقة هذه المنطقة، وتروي أروع القصص التاريخية، وترسم ملامح حياة الإنسان الذي عاش على هذه الأرض في تلك الحقب الزمنية.
ولا تزال الاكتشافات الأثرية تتوالى في دولة الإمارات، فخلال العام المنصرم فقط أعلن عن اكتشاف أقدم قرية معروفة في الإمارات، تعود إلى العصر الحجري الحديث قبل ما يقرب من 8 آلاف عام، فضلاً عن وجود مواقع أخرى مثل منطقة الدور التراثية، التي تضم مستوطنة تعود إلى 2000 عام قبل الميلاد، وقد شكل الموقع خلال هذه الفترة ميناء على طريق التجارة البحرية ما بين الشرق والغرب، وحلقة وصل ما بين البحر من جهة وبين المناطق الداخلية.
ونظراً للأهمية التاريخية لهذا الموقع، فقد تم إدراجه ضمن القائمة التمهيدية لدولة الإمارات العربية المتحدة المعتمَدة لدى مركز التراث العالمي بمنظمة اليونيسكو منذ عام 2011، ونأمل خلال السنوات المقبلة إعداد ملف متكامل عن الموقع لترشيحه ضمن قائمة التراث العالمي.
ويجود موقع مليحة في إمارة الشارقة بكنوز أثرية ثمينة، تؤرخ لفترة ما بين الألف الثالثة قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد، منها سلسلة من البحيرات الجافة التي كانت مملوءة بالمياه، وتشير بعض المجوهرات والحلي التي عثر عليها إلى أن أصحابها كانوا يعملون في حرف تقليدية متطورة، ولديهم حسٌ فني عال، نظراً لدقة وجمال المجوهرات المصنوعة.
وتدلل المعالم الأثرية المتكشفة في رأس الخيمة مثل الحصن، وقلعة ضاية، وشمل، والفليّة، وأبراج المراقبة على عراقة تاريخها، وتأثيرها في حياة البشر الذين عاشوا في تلك الفترة، وتواصلها مع حضارات سابقة.... فأينما نظرت تقع عينك على أطلال شاهدة على ماضٍ عريق، يحكي قصة تاريخ مليء بالعظمة.
ومع كل قطعة أو موقع أثري جديد يظهر للعلن، تتكشف المزيد من الحقائق، وتتغير الروايات التاريخية، ليبدأ المؤرخون بالبحث من جديد لكتابة سطور التاريخ، ورسم حياة البشر الذين استوطنوا هذه الأرض قبل آلاف السنين، ووضعوا تشريعات وقوانين تنظم حياتهم... فنهضتنا الحضارية والتنموية الحالية، عاشها أسلافنا قبل آلاف السنين، ويأتي دورنا للبحث عن أسرارها.
وبفعل التراث الثقافي الغني للدولة، والمواقع الأثرية الموغلة في القدم، والقيمة الاستثنائية لها، تظهر الحاجة إلى توحيد الجهود بين مختلف المؤسسات لتسجيل المزيد من تراثنا على لائحة التراث العالمي التابعة لليونيسكو، وتمتلك الإمارات تجربة ناجحة في هذا الإطار تتمثل في إدراج المواقع الثقافية في العين (حفيت، هيلي، بدع بنت سعود، ومناطق الواحات) على لائحة التراث العالمي عام 2011. تمثل هذه المواقع شاهداً حياً على الحضارات العالمية التي تركت آثارها، وتعبر عن قدرة الإنسان على التغلب على تحديات الظروف الطبيعية والبيئية.
لا نزال نستلهم من إبداعات الماضي أفكاراً ورؤى لمشاريع المستقبل، وخير مثال على ذلك شعار إكسبو دبي 2020 المستلهم من مشغولات ذهبية أبدعتها حضارة إماراتية قبل 4000 عام في موقع «ساروق الحديد» الذي اكتشفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.