أنت سعيد بمقدار ما تحققه حاجتك في وضعك الذي أنت فيه. فلو كسب رجل أعمال، صاحب الملايين، مبلغاً وقدره ألف درهم، فسوف يزم شفتيه، ويلوي جبينه ويبصق على الأرض، متأففاً، بينما لو حظي موظف في قسم، في شركة متواضعة بنفس المبلغ، فسوف يهلل ويرفع يديه إلى السماء، فرحاً وحبوراً، لأن هذا المبلغ يمثل رصيداً كبيراً، مقارنة براتبه الشهري الذي لا يتجاوز الخمسة آلاف درهم شهرياً.
إذاً السعادة ليست شجرة واحدة، نقطف منها ثمار مجدنا، وليست هي نهر واحد، يرتشف منه كل الناس سواسية وبنفس المقدار. هذه هي سعادة الواقع، وهي السعادة المسكوكة من معدن المقارنات الاجتماعية، وهي صنيعة واقع إنساني، هي نبتة، نحن الذين نزرعها في فناء حياتنا الاجتماعية، وطالما هي كذلك، فإن مقياسها يتحدد بحجم المزاج الاجتماعي، ولو أردنا أن نتحرر من سجن المقارنة، علينا أن نهرب إلى فردانية الحلم البشري، التي رسخ مفاهيمها نيتشه وسواه من فلاسفة الوجود، الذين ابتذلوا منحى الشخصانية، واعتبروا أن الإنسان الفرد، هو من تخلص من الشخصانية، وانتمى إلى نفسه، أي إلى فردانيته، التي تعطيه الخصوصية، وتدفع عنه شر التقليد، والانسياق خلف المقارنات، والتشبه بالآخر، أياً كانت المواقع التي يجلس فيها الإنسان.
السعادة بيت الفطرة، وهي التي تسكن هنا وليس هناك، فنحن نبحث عن السعادة في أماكن عدة، ونبذل الجهد كي نصل إليها، بينما هي هنا في القلب، وعندما يكون القلب موئل القناعة الذاتية فلا يصبح للتذمر مكان في القلب، بل يصبح القلب مسرحاً لرقصة غزلان السعادة، يكون الفرد، كالطير يحلق أينما أراد، فوق الأغصان التي يريد، فلا تحده حدود، ولا تصده سدود.
إنه في المكان الواسع من منازل الحياة. أفرغ العقل من متطلبات المقارنة الفجة، ستجد نفسك شجرة سامقة، تعلو فوق كل القامات، سوف تكون مثل السماء، صافية تظلل سقفها غيمة السعادة، وتمطرها برفاهية الجلوس عالياً من دون التطلع إلى سقوف أعلى. ستكون أنت الأعلى بقناعاتك، وتكون أنت الأجمل بمعطفك الذي لا يشبه أحداً. كلما شعرت بلفحة غم، الجأ إلى داخلك سوف تجد نخالة ما تلوث فنجانك، فامسحها بلحظة خلوة، تُعيدك إلى فردانيتك، وسوف تجد السعادة تأتيك، بكامل حسنها ومحاسنها، سوف تمطرك بصفاء، ستجد فيه العالم مثل بستان زهر، ستجد الوجود رياناً بالأحلام الزاهية، ولن تشعر بالقلق، لأن القلق من صنع الآخر، الذي يمنحه لك معجوناً بحزمة من الصور الخرافية.