كل المبادرات في سبيل إنعاش حال الثقافة مشكورة في الأساس، التنظيم رغم ذلك يجب أن يكون أكثر اهتماماً بالناتج من هذه الفعاليات وليس فقط تنظيمها وكفى. أنت عندما تتكبد عناء تنظيم فعالية ثقافية ما، تدعو إليها المتخصصين من شرق الأرض ومغربها، تذكر في بادئ الأمر المثقف الذي يسكن معك في البيت نفسه؛ تتجاهل هذه الفعاليات في أغلب الأحيان المثقف المواطن والمقيم على الأرض نفسها، فيأتي الضيوف المشاركون ويغادرون وقد تحدثوا فقط لبعضهم البعض تحت سقف البلد العربي البعيد الذي لم يلتقوا بأهله. يحيل الأفراد المنظمين بالملامة على الآخر، والآخر يحيلها إلى الآخر، ثم إلى جهة التنظيم الأجنبية غير المطلعة على الواقع الثقافي المحلي، فهي لا تعرف، وهم لم يشعروا أن من واجبهم أن يهتموا بأمر «هامشي» كهذا. لدينا كتاب وفنانون ومثقفون في المجالات المختلفة لا يعرف عنهم أحد ولا يعرفون عن أحد، يقول البعض، إن هذه مشكلتهم يجب أن يعرفوا كيف يقدمون أنفسهم للمسؤول في الجهة الثقافية الفلانية كي يتذكرهم في المرات المقبلة، فالمسؤول مشغول والمثقف فاضي! بهكذا منطق مقلوب يتم إقفال أي نقاش في هذه المنطقة. المهم الصورة الإجمالية النهائية جيدة، هناك صف من المسؤولين، وندوات قائمة، وكلمة الختام، وتصفيق. والنتيجة؟ والثمار المقطوفة؟ «لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم». الثقافة ليست فعالية تغطيها الصحافة وكفى، هي خطة استراتيجية أزلية لإنهاض روح المجتمع. لأجل تحقيق هذا الهدف على مراحله المختلفة يجب أن تؤخذ بجدية، التعامل معها بمنطق «هذا ما يريده الجمهور» أو بسياسة البهرجة والاستعراض لن يؤدي إلى أي نتيجة حقيقية على أرض الواقع ولن تكون إلا مجرد عبء إضافي على الميزانية العامة. أنت تريد بكل المشاريع الثقافية التي تضطلع بها جهتك أن تساهم في تنوير المجتمع عبر حقنه بجرعات ثابتة ودائمة من «ترياق» الرقي والتسامح والمحبة والسلام، ولتصل إليه يجب أن لا تتجاهله، ينهض المثقف المحلي بعبء وجوده وحده يمسك معك طرف القماشة الثقافية ويحاول أن يغزلها من ناحيته بمعرفته وجهده ووقته وفكره وعمره، حين تنفض أنت القماشة لتسقطها من يده وتمسكها يد غريبة تظنها الأدرى والأعلم فأنت فقط تُسخّر ما أنت مؤتمن عليه لراحة بالك كمسؤول بعيداً عن التحديات التي تتطلب الحفر الدائم في جدران قاسية كثيرة تقف في وجه الشروق كما قال يوماً أمل دنقل.