من سمات التفكير في الأشياء الصغيرة، أنها من فيض العصاب القهري، ووساوس الأنا المنقبضة. عندما نكون في حياض التفاصيل، نكون غارقين في اللا معنى، نكون متسربين في الشعاب، مثل مياه الأمطار الفائضة، نذهب إلى اللا شيء، فتموت الجذور المتطلعة إلى قطرة ماء.
عندما نستغرق الزمن في النقاط الداكنة، ونمتلئ بالحشو، ونطفح بالبثور الشيئية، نصبح مثل الأطفال الذين يهيمون وسط الصور الخيالية، التي تذهب بهم إلى الوهم، وتخرجهم من الحقيقة. كل المصابين بالإنحرافات العقلية، هم في الأساس كائنات خرجت من ثغور التفاصيل الصغيرة، هم نبتوا في الحياة، مثل خنفساء الروث، تبحث عن رائحة الأشياء النتنة.
عندما نكون أمام قضية كبيرة، تشغل بال العالم، ونحن نتتبع التفاصيل، ونخوض في الأجزاء الأصغر من عين النملة، نكون قد اختزلنا زمن الإنسانية إلى جزر نائية، وحصى مبعثر على أرض رملية، نكون كمن يبحث عن خاتم الخنصر في كومة رمال برأس إبرة. لو حدث خلاف بين زوجين، وظل كل منهما يغوص في أعماق الزلات والهنات والهفوات، فلن يستطيعا الوصول إلى مرفأ المشكلة التي يقع عليها لُب الخلاف، ويكونان في هذه الحالة كمن يفكر في تنقية البحر من الفقاعات التي يتركها صراع الأسماك في الأعماق. يكونان في هذه الحالة، يجريان عملية جراحية في الكبد، لمريض يعاني من داء القلب.
الذي يمعن النظر في عين المرأة، وأنفها وثغرها وأناملها وشعرها، وكل جزء من كيانها الجسدي سوف يصطدم بالتفاصيل، ويصدر حكماً يتنافى مع القيم الجمالية للمرأة، وسوف يصل إلى قرار، أنه لا يوجد جمال في الكون، وأن كل ما يتحدث عنه الشعراء وفقهاء الجمال في العالم، ما هو إلا قول افتراء، وهراء، وأغواء، وأهواء.
هذه هي طريق التفاصيل، إنها مكلفة، ومتلفة، ومسفة، ومستخفة بقوانين الطبيعة، لأنها تدفع بالتي هي أسوأ، عندما تغوص بالأقدام في رمال صحراوية كثة. هذه هي شيمة التفاصيل عندما تستولي على إرادة الناس، فتكون هي قوس النشاب الذي يحطم الأغصان، ولا يقنص الفرائس. هذه هي طبيعة التفاصيل، هي مجرد حصى في الطريق، يعرقل ولا يحل، ينكب ولا يكسب، عصيب ولا يصيب، غير مقتل من يفكر في إجلاء الغبار عن منكبه.