نخاصم فنتحدى، ونتفاقم فنصطدم، ونصبح في الحياة كتلة من جمر، نصبح كومة قش تحترق تحت لهيب من سعرات الذات المحتقنة. عندما نخاصم يكون الآخر الجمرة والحجر، يكون الحسرة والكدر. عندما نخاصم تتوه البوصلة ويضيع القارب، نصبح في الحياة شرارة تبحث عن سعفة، كي تفنيها وتنفيها وتتلاشى البصيرة والنظر، نصبح كائنات تتصادم لأقل بذرة، وفي المختصر نكون في غياب الوعي غابة بلا شجر. نخاصم ونصوم عن زاد التلاقي، نصبح في المعنى جملة الشعر بلا مضمون ولا شعر، نصبح آلة صمّاء يحركها كائن يحتضر، نكون عربة على سفح جليدي، يأخذها إلى حيث النهاية والأمر الحالك الكدر. نخاصم لأننا مطوقون بذات ملئوا غبار السنوات وأفكار الأنا المستعر.
نخاصم، وفي داخلنا حشرجة، وحشر، ونشر، في داخلنا ضجيج وعجيج، في داخلنا سماجة ولزوجة ماضيات الدهر، وأسباب القنوط الأوليات في ضمير الأزل، ونمضي في الخيال المزنجل بأوهام أنانيتنا وعزلة الذات، وصهد ما جاش في اللواعج، وما ماد في قرارة النفس وما مار في الروح، من جبال الوهم.
نخاصم ونظن أن في الخصام خروج من ضعف وحيف وزيف، لكننا لا نعرف أن في الخصام، تخرج من فناجين لهوجتنا، حثالة ونخالة، ونفايات ما علق في الروح وما ترسب في المشاعر. نخاصم ولا نعرف أن في الخصام، تخلع الأنا قميص الحرير، لترتدي قماشة الكتان، وأسوأ ما في الحياة من شائهات الوجدان. نخاصم ونمضي في التمادي، حتى تجف أوراق التوت في بساتيننا، وحتى تغادر طيور الفرح من أعشاشها، ليصبح الكون فراغاً، تؤمه الوحشة والتوحش، وأحافير مخلوقات ما قبل التاريخ، وأساطير حضارات بائدة. نخاصم ونحاكم، ونقاوم كي لا نكون إلا في منصة التتويج، وندع الآخر في قفص الاتهام إلى ما لا نهاية لأحكام أشبه بالزبد، أشبه برغوة صابون فاسد. نخاصم ونمضي في خصامنا حتى تحترق الأشجار، وتتهدم الأسوار، وينوء الجدار من حمل الجدار، ويستمر السعار والدوار، يستمر الخوار، وتتقلب الأدوار، ولكن المصير واحداً، وهو الموت مع إشعار للدفن، وتبقى المشاعر كنشارة الخشب.