تدفّقت العاطفة الجيّاشة مثل هدير الموج.. الأيام تجر بعضها مثل مسبحة كاهن يقلّب الوقت بخمول، فرص كثيرة تحضر ثم تغيب، والوقت يسرق كل شيء!
الآن فقط يسقط مطر الشوق والتفكّر في كل اللحظات الجميلة التي جرت مثل عقارب الساعة.
لمن كانت تجمع كل هذا الهيام والحب للأمكنة أو الأحباب، ما الذي منع البوح بأن ينطلق من عنانه، أي زوادة ومخلاة حملت كل هذه العبارات وضمتها للزمن والوقت الهارب من أنامل خضراء.. لقد نبتت أزهار كثيرة على حافة نهر الحياة وأصبح الماء معطراً بالأريج والورد، وبات محال أن تهرب من تراكم زمنها وكنز الكثير من العواطف والحب.
لم يدر في خلدها أن هذه المرابع وفصول الربيع سوف تغيب خلف البحار، وسوف يحول المدى عن الرؤية والالتصاق بالأبواب والنوافذ التي كانت مشرّعة للجمال..
كان الأمر في غاية الصعوبة عندما تم إخطارها أنها أمضت عمراً طويلاً هائمة في المدينة وعشقت أوراقها وتمزّقت بكياناتها وخالفت كل النظم والقوانين واللوائح دون أن تجد ما هو مطلوب للإقامة، لا يكفي عشق المدينة وحبها ولا يحمي العسر والفقر والحاجة من السير على طريق المدينة الجميل والمنضبط في كل شيء. قالوا لها: نقدر هذا الحب والعشق للمدينة ونقدر أمنية أن تكون محطتك الأخيرة في الحياة، ولكن الآن لا بد من الرحيل. قالت: أنا لا أعرف بلدي ولا مدينتي ولم أعشقها مثل عشق هذه المدينة، هنا ذاكرتي، حياتي وأجمل أيام شبابي، بل هنا حبي وأملي في الوجود. لم ينهرها أحد ولم يعاتبها أحد، قالوا نقدر هذا الحب والوفاء للمدينة ولكن يمكن العودة بعد أن تصبح الأمور سليمة مثل قلب المدينة.
ولكنها بكت كثيراً لإدراكها أن ذلك يتطلب أموالاً للعودة وعملاً وأيضاً مساحة من العمر. لوّحت لزمنها ومدينتها والبلد الذي ينشر الحب والجمال والسلام، بلد كل من وصل إليه يمنّي النفس أن تكون محطته الأخيرة في عالم الاغتراب ولا يعود إلا أن تكون خاتمته في قريته أو مسكنه العتيق، حيث ولد وجوار عائلته ورفاق دربه وأحبابه القدامى.. لة هذه البلاد عندما يعشقها ناسها وأهلها والمحبون من أرجاء الدنيا، إنها الإمارات العزيزة، والتي تفتح قلبها لكل جميل محب، سلام يا دار السلام.