حين تعمل على إصدار كتابك، أو روايتك، فلا يخطر على بالك أن حروفك ستحلّ ضيفاً على معارض الكتب، من دون أن تجد لنفسك صفة الضيف، فتستقبل فرحك من بعيد. لطالما كتبت وتحدثت عن ضرورة الترجمة، ضرورة نقل الكتاب إلى لغات أخرى، ثم تطمئن عندما تجد بأن المبادرات تنطلق من جهة تحمل على عاتقها نور الكلمة وثقافة البلد، بداية من نور الإشراق في باريس، إلى «ساوبلوا» البرازيلية، وتفرح كثيراً لفرح المحطات وتأسف حين تتجاوزك الدعوات، وتعرف عبر المسافات بأن كتابك حضر من دون أن يحضر من يوقعه، فضلاً عن إنك لم تكن على دراية بالترجمة أو بالمشاركة، وهو أمر غير معتاد، خصوصاً عندما تستفزك حالة الكراسي الشاغرة، فتلجأ إلى التوهم بأنك تحتضن كتابك المترجم بين الجموع.
الجميل أن حروفك باتت تسافر وحدها، وتستقر في طي الذاكرة البعيدة، وربما تبحث في الوجوه القادمة، وهم يبحثون عن وجه الكاتب في خيال الحروف. ربما تستمد من الصور رائحة الحلم، وربما تتصور أو تقرأ بأن الكاتب، قد تخلّف عن الرحلات السابقة والقادمة.
يظل الكاتب يبحث عن نفسه بين المرايا في قضاياه الدارجة والملحة، ويبحث عن مكان له في منظومة الحدث، ولا يمكن إلا التوقف عند حفل كتابه المترجم بينما كرسيّه شاغر، لكن الكاتب منّا اعتاد أن يبقى أحيانا خلف المسرح، أو يقف بعيداً حتى ضمن حالة التفرّج، كأنه في انفصام حقيقي عن نشاطه، المفعم بصلته بالحدث، ورغم ذلك لازلنا نشيد بالعطاء الذي بدأ يلملم أوراقنا نحو العالمية، ولا شيء سيفسد الفرح الثقافي الكبير، والذي نؤمن به، وتظل اللوحة جميلة لا تخدش، ولا تمتزج ألوانها بالألم، حين تسافر الكلمات وحدها دون أن يعلم كاتبها، إلا من خلال خبر من هنا أو هناك.
هكذا تظل الكراسي شاغرة إلى حين، ونظل نستفز الوقت للكتابة، وسنترك المناسبات بعيداً، ربما من دون معنى، إذ قد يكون هناك من لا يعلم مدى معاناة السنوات، لكي تكتب همسة في رواية، أو لكي تخرج طاقة شجن من طيات الكتمان، فتراودك الحروف والكلمات حتى تستقر في مدى رؤيتك الشاسعة. فلا يضير لو حملت أحلامنا إلى المدى البعيد، لنظل نحن خلف المسافة أو خلف المسرح، لكن المكانة الحقيقية للكاتب فهي عندما تصدر إبداعاته، وهي اللفتة الجميلة الباقية، وكأني آراها تزهر من جديد.