اختزلنا الزمن منذ أن التقينا عند ناصية الضجيج، وذهبنا من دون أسئلة، ذهبنا ونحن نتوج أغصاننا بأكمام الزهر، ونرشف من الماء قطرات رضاب، ونقطف من العطر عبقاً يشف على أرواحنا، كأنه من سمات السماء، ومن سمات النجوم الطالعات على شرشف الليل. الأشياء في عيوننا تهطل مطراً يغزل حرير الفرح، وينثره في الوجود قمح النمو والارتقاء. تواءمنا، واتحدنا، وتداخلت أشجار قلبينا في نشوة الاندماج، كانت السواحل تضمنا، والموجة الرهيفة توشوش في أسماع الكون، وتغسل كائناته بالبياض، تغسلنا بالصمت الرهيب، وتنظف وعينا بأفكار وأسرار الخلق، وكيف كانت النجمة تحرس شهقاتنا والدهشة تملأ شغاف النجوم. اختزلنا الزمن في لحظة كان فيها الوعي يلتقط حبات لهفتنا، ويمضي في الصهيل، نمضي في البحر الجليل طائرين أجنحتنا من زعانف، لا تقولي ذاك زمان، بل قولي للزمان قف، وانظر إلى الموجة كيف تتلوها الموجة، لتأخذا البحر إلى الساحل، ليصبح البحر والساحل قلبين في جسد الوجود، ونصبح نحن الضوء المنبثق من مكان ما، من الأفق نسقط على وجنتي موجة، لنجعلها في الوعي شمعة تضيء وجدان الحياة، لنجعلها النار التي تذيب الرواسب والخرائب والعواقب، لنجعلها في وعينا أغنية ترتب أشجانها، وتهذب لواعج الكلمات وتمنح البوح للطير، كي تنمو الأجنحة من دون شوائب. اختزلنا الزمن ونحن في نخوة الولاء لأحلامنا الزاهية، نحن في ذروة الزهو، بأنا في الوجود ابتسامة عرضها السماوات والأرض، وأنا في الأرض عشب الذاكرة، وأنا في السماء خصب السحابات الباهرة، وأنا في الزمان جناحان لطائر توحدت فيه مكونات التحليق، فبدا في النسق أسطورة وصورة، وبدا أنشودة وشفة، وبدا مقولة وقبلة، وبدا تغريدة وغرة، وبدا تنهيدة وهدأة، وبدا عبارة وعبرة، وبدا رواية ورؤية، وبدا شهامة وشيمة، وبدا وسامة وسمة، وبدا طهارة وطفقة، وبدا منارة ونبرة، وبدا طلاقة وطلقة، وبدا نقاوة ونقرة، وبدا في الزمن جملة معرفية، تجزل وتبذل وتعدل وتغزل، وتحمل في الطيات معنى التواصل بين الأشياء، عندما تكون في الوعي، والحقيقة ناموسها.