للمطر على وجنتيك نعمة ونغمة، وعبق الغيمة، وبريق النجمة. وأنت تحت المطر فراشة، وجناحاك شوق، وتوق الرافلات بوجدان أشف من الوردة، وأرق من الموجة وأسنى من مهج السماء الواعية، وأجمل من نوافل المعتصمين بحبل الليالي
الغافية على سكينة التأمل. للمطر سكنات، ورفرفات، والمطر كل اللغات، وكل التواريخ التي أنجبت الجمال في عيون النساء والغزلان، للمطر حسنات التطلع، وطلع الزهرات، للمطر جنون القطرات على صفحات قد وخد، للمطر فنون النقش على قماشة الوجود، وتلوين الفيافي، وتلحين أغنيات الألم ودوزنة الزمان والمكان.
وأنت، أنت في المطر أسئلة وحوار، ما بين الشجرة والماء، ما بين الشهقة والاحتواء، أنت الكلمة على لسان الطير، أنت النغمة بين شفة الغيمة، وصدر الأرض. أنت السؤال المفتوح في حنايا الدهر، أنت النظرة الواسعة، حين تستأنف النثات.
عزفها على أوتار الهوى، أنت الوعد والموعود، وأنت الحبل الممدود، وأنت السيل المشدود، وأنت الرعشة في المكنون والمضمون، وأنت الدهشة في ألباب الشجر، حين يبدو المطر زخات في الوعي، حين يبدو وخزات في ضمير التراب، حين يبدو عزفاً وعزوفاً، وحين يستمرئ المطر، لغة القوافي وأوزان الشعر، حين يطرق في السر والجهر، ويسرد قصة العشق ما بين التغريدة والفجر، وما بين النبرة والفكر، وما بين الثمالة والسهر، وما بين القصيدة وأنواء الدهر، وما بين الحلم وتشوهات الصور، وما بين الخيال وما جاش في العمر، وما بين السؤال والجواب المستعر، وما بين المآل وما حط واندثر، وما بين الجلال وما شاخ في أتون الزهر، وما بين الجمال وما بدّلته الأيام وطول الكدر، وما بين الكمال وما خبأته ليالي الشرر، وما بين المجال ومجال القتر، وما بين المحال وحيل الضمير المستتر.
للمطر لمعة الماء، وشمعة البرق، ودمعة الذكرى، حين يتفيأ المطر شجرة الذاكرة، ويتكئ على خاصرة الزمن، ليتأمل أحلام الطير فوق الأغصان، وأشجان الشجر، وهو يرتل آيات الصمت، ويحتسي القطرات من كأس السماء. والوجود يصدح بصوت الدعاء، مطر.. مطر، والغيمة تسطر تاريخها بأحرف من بلل، وتجدل ظفائر العشب بخيوط من سلالة الماء، ومن نسل السماء. مطر.. مطر، والكأس مملوء، والنخب مطر، والأشياء تحسو، والشفاه من رضاب الخير تستمطر.