تحت المطر قطرة، فوق المطر غيمة، وما بينهما أنت، وأنا قطرتان من نبض وحض وكظ ورض. كلانا في المطر يحفظ درس الهوى، وكلانا في مخمل الأشواق نثة وحثة وبثة، كلانا في بؤرة اللواعج، موجة ومهجة، ولغة تسبر سر الأشياء في مدار القمر، وكلانا يخفق ويحدق، يطرق ويتدفق، يسترق ويدقق، ينمق وينسق، كلانا يشق القميص من قبل، ويقبل ويسدل، ويجدل ظفائر الليل بهمس ونبس وحس، ويمضي تحت ملاءة الرعشة، مثل زعنفة على ساحل متوحش، كلانا يغزل صمت الليل بشهقة ورهط، كلانا في السديم المكاني، فراشة حائرة، في زجاجة الزمن واللحظة المباغتة.
تحت المطر، أنا وأنت غيمتان، وفكرتان طائشتان، تطوقان المدى برغبتين متحدتين، تتداخلان في نعيم الحرقة اللذيذة، كلانا في هذا الممتد من شريان اللوعة، إلى وريد الرجفة، طريق ممهدة بمداد التاريخ، وكلماته المبهمة من بداية البوح حتى نهاية الكتمان، كلانا لا أحد منّا يختزل صمته، ويمشي في دروب ربما تكون أجمل، ربما تكون أشهى من لحظة اللقاءات الفاشلة، ومن قبلات أشبه بحلول الصيف على أرض بطحاء أو تربة يباب. هكذا يبدو الأمر، وأنت تحملقين في السماء من وراء السقف الخفيض، هكذا تبدو الأمور وأنت في منطقة التجمد الشمالية، وهكذا تبدو الأمور، وأنت تجلدين الذات بعصا الأفكار المسبقة، هكذا تبدو الحياة، وأنت تتخبطين بين الأعشاب الشوكية، وتدمين الأيام بوخز، يحز العنق، ويجز معصم المرحلة. كلانا في الهوى عشاق، ولكن ما إن ينغرس السهم في عنق الزجاجة، حتى تصرخين بأن الشيطان يكمن في التفاصيل، وأنك في جملة التفصيل، تبدين فاصلة معتمة، تبدين علامة استفهام قاتمة، تبدين النقطة التي تبتر العبارة، وتنتهي الرواية بلا ثيمة ولا قيمة، تبدين حالة راهنة عديمة، تبدين نغمة مشروخة، كلانا ولا أحد سوانا، يملك اللحظة لو أننا أمسكنا برسغ الوعي، وسرنا في طريق بلا نعيق ونقيق، كلانا يمكنه أن يتسرب في الوعي مثل المطر في عروق الشجر، وكلانا يمكنه أن يسرج خيول الحب، في مضامير الظفر، فقط لو أننا تحررنا من بقايا الغبار، على رفوف الماضي وتخلّصنا من نفايات الزمن. كلانا الآن في العزلة، نهار يغتسل بفكرة، لكنها لم تزل تلعق بقايا ما في القاع، والقاع مأزوم بدخان الأزمنة الغابرة.